لبنان

حملة على حزب الله واتهامات لباسيل بعد تهريب الفاخوري

وليد شقير – اندبندنت عربية

باتت قضية إخراج العميل الإسرائيلي عامر الفاخوري الحائز منذ 2003 على الجنسية الأميركية، من السجن وتهريبه إلى الولايات المتحدة عبر مروحية أميركية نقلته الخميس 19 مارس (آذار) من مقر السفارة في منطقة عوكر، شمال بيروت إلى قبرص ومنها إلى بلاد العم سام، أشبه بكيس الفحم الأسود، كيفما تناولها مسؤولون وسياسيون لبنانيون، تلوّثت أيديهم، وجعلتهم عرضة للحملات والشكوك.

ما اعتبره الوسطان السياسي والإعلامي فضيحة مدوية سواء بفعل القرار القضائي الذي أوقف التعقبات بحق الرجل الذي عمل مع احتلال إسرائيل جنوب لبنان سنوات قبل انسحاب عام 2000، وهربه إلى إسرائيل، ثم إلى الولايات المتحدة، بات فائق الإحراج للسلطة السياسية، خصوصاً لفريق رئيس الجمهورية ميشال عون، واستطراداً لحليفه الرئيس حزب الله الذي بات متّهماً بغض النظر عن وقائع العملية وبشتى السيناريوهات التي أنهت القضية بطريقة هوليوودية.

شكر ترمب يزيد الريبة

وما زاد الطين بلّة، توجيه الرئيس دونالد ترمب، الخميس 19 مارس (آذار)، الشكر للحكومة اللبنانية على تعاونها في إخلاء سبيل الفاخوري، في وقت لا علاقة للحكومة بكل ما جرى، حتى إنّها لم تناقش الموضوع خلال اجتماعين عقدتهما بعد قرار المحكمة العسكرية إطلاق سراحه. وازدادت الريبة في بيروت من أن يكون إطلاق الفاخوري جاء في إطار مفاوضات تتعدى لبنان في شأن أميركيين محتجزين في الخارج، يسعى ترمب إلى إطلاق سراحهم من أجل استثمار الأمر شعبياً في الانتخابات الرئاسية المقبلة، في مواجهة مرشح الحزب الديمقراطي، أن الرئيس الأميركي تحدث في المؤتمر الصحافي ذاته عن اتصالات تجري مع سوريا لتحرير الصحافي الأميركي أوستن تايس، الذي اختفى فيها عام 2012 (خصص جهاز إف.بي.آي مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عنه)، واعداً الجانب السوري بتقدير تعاونه من أجل تحريره. كما أن وزير الخارجية مايك بومبيو لفت في بيانه عن إخراج الفاخوري إشارته إلى إطلاق إيران، الأميركي مايكل وايت الذي اتهمته طهران بالتجسس لأسباب صحية، على أن لا يغادر البلاد ويبقى في السفارة السويسرية التي ترعى المصالح الأميركية. هذا في وقت أفرجت السلطات الإيرانية عن 85 ألف سجين، منعاً لتفشي كورونا في السجون، خصوصاً أنها تعاني من عجزها عن الحد من انتشاره. وهي شاءت الإفادة من الخطوة لإطلاق إشارة حيال واشنطن، في ظل ما يتردد عن اتصالات تجري تحت الطاولة معها في شأن خفض العقوبات القاسية عليها.

إحراج الحزب من الحملات

في هذا الإطار، جاءت الحملة ضد حزب الله على مواقع التواصل الاجتماعي واتهمته بأنه وراء صفقة ما. وبعض التعليقات يعتبر أن قرار هيئة المحكمة العسكرية التي منعت المحاكمة عن الفاخوري لسقوط التهم في حقه بمرور الزمن العشري، لقتله وتسببه بقتل سجناء في سجن الخيام التابع للاحتلال في تسعينيات القرن الماضي حين كان مشرفاً عليه، لم يكن ليتم لولا غضّ النظر من الحزب، لأنّ رئيس المحكمة العميد حسين عبد الله وبعض أعضائها من الموالين للحزب، ولأن تعيين قضاة هذه المحكمة يحصل، وفق ما درجت العادة في السنوات الماضية لضباط من الموالين للحزب وحليفته حركة أمل التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري. وذهب بعض هذه التعليقات- الاتهامات إلى حدّ ربط تساهل الحزب مع قرار المحكمة العسكرية بما تسرّب من معلومات صحافية، عن أن الإفراج عن الفاخوري تم نتيجة وساطة تولّتها سلطنة عُمان مع إيران، قادت إلى إخراج مواطن أميركي من السجون الإيرانية ومعه الفاخوري في لبنان.

أقل الاتهامات للحزب كان أنه يراعي حليفه الرئيس ميشال عون ورئيس التيار الحر جبران باسيل الذي عقد الصفقة مع واشنطن من أجل تجنب عقوبات هدّدته بها يوم كان وزيراً للخارجية في الحكومة السابقة، ومعه الوزير السابق سليم جريصاتي، مهندس المخارج القانونية في القصر الرئاسي، بعدما شاعت أنباء أن هذا الفريق كان وراء الاجتماع الليلي للمحكمة في يوم إجازة، الأحد 15 مارس لتهريب قرار منع المحاكمة والإفراج عنه في اليوم التالي. كل ذلك، على الرغم من أنّ حزب الله سرّب معلومات بأنّ رئيس المحكمة العميد عبد الله اتصل قبل أيام بقيادة الحزب لينبئها بتزايد الضغوط عليه من أجل إخلاء سبيل الفاخوري، فكان الجواب أن هذا غير وارد بالنسبة إليه لأنه لا يمكن أن يتساهل تجاه عميل تسبّب بقتل لبنانيين تحت الاحتلال. وأفادت التسريبات بأنّ الحزب فوجئ بعدها بقرار المحكمة، ولذلك أصدر بيانه الذي أشار إلى “الضغوط والتهديدات الأميركية سراً وعلانية لإجبار لبنان على إطلاق الفاخوري”، واصفاً ما حصل بأنه “قرار خاطئ للمحكمة يدعو للأسف وللغضب والاستنكار، وكان من الأشرف والأجدى لرئيس المحكمة العسكرية وأعضائها أن يتقدموا باستقالاتهم بدل الإذعان والخضوع للضغوط التي أملت عليهم اتخاذ هذا القرار المشؤوم”.

باسيل والمخارج السابقة لإطلاق الفاخوري

وعلمت “اندبندت عربية” أن باسيل اتصل في الأيام العشرة السابقة على قرار المحكمة، بقيادة حزب الله مرتين، طالباً لقاء الأمين العام السيد حسن نصر الله. وحين تعذّر اللقاء، جرى الاكتفاء باتصال هاتفي بينهما، طرح خلاله باسيل مسألة الإلحاح الأميركي الضاغط على إخلاء سبيل الفاخوري ونية تسليمه إلى السلطات الأميركية، فكان جواب نصر الله رفض الفكرة لأنّ الرجل متهم بقتل لبنانيين تحت سلطة الاحتلال.

وفي معلومات أوساط متابعة بدقة للاتصالات الأميركية مع الجانب اللبناني حول الفاخوري أنّ بعض فريق الرئاسة سبق أن طرح سيناريوهات عدّة لإطلاق الفاخوري، منها أن يصدر حكم في حقه ثم يصدر الرئيس عون عفواً خاصاً عنه، لكن ارتُؤي أن ذلك مسيء لعون، نظراً إلى ارتباط التهم للرجل بعمالته لإسرائيل، فاقترح أحد الوزراء (سابق) نزع الجنسية اللبنانية عن الفاخوري بعد الحكم، بحيث يسلّم إلى واشنطن كأميركي، لكن صُرف النظر عن ذلك.

ظروف السجناء وكورونا ضاعفت الفضيحة

وفيما أعلن العميد عبد الله يوم الجمعة 20 مارس تنحيه عن رئاسة المحكمة “احتراماً لقسمي وشرفي العسكري”، بعد بيان الحزب، تصاعدت الحملة على الأخير حتى من سجناء سابقين في معتقل الخيام، ومن منتمين إلى جهات سياسية معارضة له، لأسباب عدّة بينها أنه سبق أن اتُّهم بتغطية إصدار حكم مخفف عن أحد قادة التيار الحر العميد المتقاعد فايز كرم عام 2012 (قبل انتخاب عون لرئاسة الجمهورية)، بعد إدانته بالتواصل مع الاستخبارات الإسرائيلية، على الرغم من معطيات بأنه كان يقوم بذلك بعلم قيادة التيار. ومن أسباب الزوبعة الإعلامية السياسية التي أثارها إطلاق الفاخوري أيضاً أنه في ظل معاناة البلد من فيروس “كورونا” والسجالات السياسية حول فعالية الوقاية الحكومية من تفشيه، برزت قضية اكتظاظ السجون اللبنانية وضرورة اتخاذ قرار بإخلاء قسم كبير منهم، منعاً لانتشار الوباء في صفوفهم في ظل ضعف إمكانيات النظام الصحي، خصوصاً أن بينهم كثر أنهوا محكوميتهم لكنهم لا يملكون المال الكافي لدفع ما يتوجب عليهم تنفيذاً لأحكام بحقهم، أو لدفع رسوم إخراجهم من السجن. وقد ملأت شاشات التلفزة خلال الأيام الماضية فيديوهات مسربة من سجن رومية المركزي عن الحالة البيئية المزرية التي يعيشها السجناء، مطالبين بإطلاقهم مخافة تسرب كورونا إليهم، ظهر فيها سجناء يتوجهون إلى الزعامات السياسية ومنهم نصر الله والرئيس بري مطالبين بإطلاقهم. وبعضهم سأل كيف يُطلق عميل إسرائيلي ونحن نبقى في هذه الحالة؟

وتقدّم الأسيران المحرران من سجن الخيام، سهى بشارة ونبيه عواضة، بشكوى أمام النيابة العامة التمييزية ضد كل من يظهره التحقيق من السياسيين وقضاة المحكمة العسكرية والقادة الأمنيين بجرائم المس بهيبة وكرامة الدولة اللبنانية، والتآمر مع دولة أجنبية، وخرق سرية المذاكرة، ومخالفة قرار قضائي بمنع السفر، كانا استحصلا عليه من محكمة مدنية غداة قرار المحكمة العسكرية.

وفعلت الحملة على الحزب فعلها وسط البيئة السياسية والشعبية المؤيدة له كونه رأس الحربة في مواجهة إسرائيل.

حلفاء حزب الله يصوبون على باسيل فيتبرأ

البارز في ردود الفعل، ما صدر الخميس عن أحد أبرز رجال الدين السنة المحسوبين على حزب الله والمؤيدين له بحجة مقاومته لإسرائيل، الشيخ ماهر حمود رئيس​ “الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة”،​ الذي عقد مؤتمراً صحافياً عن تهريب الفاخوري طالب فيه الرئيس عون بـ”إصدار قرار وطني جريء ينهي به بعض عذابات اللبنانيين، وهو طرد ​جبران باسيل من الدائرة المقربة منه، لأنه ارتكب الموبقات باسمك، وشوّه صورتك، وانحرف بالتيار عمّا أسّسته له”. وقال حمود “أنت تعلم مقدار المعزة التي نكنّها لشخصك الكريم، لكنّ الأمور تغيرت”.

وأشار حمود إلى أنّ “المطلوب من باسيل الاستقالة من النيابة، فهو لم يعد يمثل الشعب اللبناني وليذهب إلى أميركا، وليأخذ منصباً هناك، لعله رئيس بلدية أو زبال كما قال (وليد) جنبلاط يوماً ما، وهو لا يستحق أن يكون نائباً في البرلمان”. أضاف “رئاستك للتيار الوطني الحر لم تعد تناسبك أبداً”. وردّ على نفي باسيل علاقته بالفاخوري، سائلاً “من الذي وضع الفاخوري على لائحة المدعوين في ​واشنطن؟ (ظهر الفاخوري في صورة قديمة في السفارة اللبنانية في واشنطن أثناء زيارة لقائد الجيش إلى العاصمة الأميركية) هل يجرؤ السفير (غابي عيسى المحسوب على باسيل وتياره) أن يضع اسمه حتى يدخل السفارة ويقابل قائد الجيش​ ويصافحه ويقابل سامي الجميل وفلان وفلان؟ كيف وصل إلى السفارة وأنت وزير خارجية، أنت المسؤول حتى هذه اللحظة”.

واستدعى الأمر رداً من باسيل على حمود في بيان عن “التيار الحر” اعتبر أن “الكلام من غير علم عن الآخرين ظلم كبير وإساءة الظن أمر لا يجوز، لا بل محرم في كل الشرائع. وقد قال تعالى يا أيها الذين آمنوا، اجتنبوا الظن، إنّ بعض الظن إثم. والكلام عن الآخرين، من دون بيّنة لهو أمر يؤدي إلى الوقوع في المعصية والتي هي اتهام الناس بالباطل”.

وسبقه بيان آخر أشار إلى أن التيار ورئيسه “يتعرّضان لحملة افتراءات متواصلة تتغيّر فصولها بحسب طلب صانعيها، وكشفت هذه المرّة عن تناقض القائمين بها من أصحاب نظريات المؤامرة الدائمة، فهم اتّهموا باسيل سابقاً بأنّه ‏سهّل دخول عامر الفاخوري إلى لبنان تجاوباً مع طلب إيراني، وهم أنفسهم يتّهمونه اليوم بتسهيل خروجه من لبنان تجاوباً مع طلب أميركي”. وإذ نفى علاقته بالفاخوري، أكد باسيل أنه “لا يحتاج إلى شهادة في الوطنية من أحد”، مشدّداً على أن “سياسة تلقّي الأوامر من السفارات ليست سياستنا، بل سياسة من يتّهمنا”.

كما أن فضيحة إخراج الفاخوري من الأراضي اللبنانية على الرغم من صدور قرار قضائي بمنع سفره، دفعت وزير الخارجية ناصيف حتي إلى استدعاء السفيرة الأميركية دوروثي شيا، ليسألها عن “حيثيات وظروف إخراجه من لبنان”. فالحكومة أُحرجت من شكر ترمب لها في وقت لا ناقة ولا جمل لها في القضية، وتريد إظهار عدم علاقتها بها.

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button