تحت المجهر

هل سيحرر العهد الجديد وزارة الطاقة؟

بقلم تادي عواد –

لم تكن وزارة الطاقة في لبنان مجرد وزارة عابرة في مسار انهيار الاقتصاد اللبناني، بل يمكن اعتبارها المحرك الأساسي لما يمكن وصفه بـ”التدمير المنهجي” للشعب اللبناني. هذا المفهوم، الذي قد يبدو غريبًا أو غير موجود في أدبيات القانون أو الاقتصاد، هو التعبير الأدق عن سلسلة الجرائم الاقتصادية والسياسات الفاسدة التي أدت إلى تدمير حياة اللبنانيين بشكل شامل.

التدمير المنهجي للبنية الاقتصادية

التدمير المنهجي للبنية الاقتصادية لأي بلد من خلال سياسات فاشلة أو متعمدة يؤدي إلى شلل الاقتصاد، خسارة الثروات، انهيار القطاعات الإنتاجية، وزيادة معدلات الفقر والمرض، إلى حد يشبه تأثير الحروب المدمرة. في حالة لبنان، لعبت وزارة الطاقة دورًا محوريًا في هذا التدمير عبر سلسلة من السياسات الكارثية والصفقات المشبوهة التي نهبت ثروات البلاد.

كيف ساهمت وزارة الطاقة في هذه الكارثة؟

1. احتكار الطاقة ومنع المنافسة
في البداية، عملت وزارة الطاقة على ترسيخ احتكار مؤسسة كهرباء لبنان لإنتاج وبيع الكهرباء، ومنعت أي مشروع يهدف إلى كسر هذا الاحتكار. بل زادت الطين بلة بمحاولة التضييق على الشركات التي تمتلك امتيازات قانونية لإنتاج الكهرباء، مثل شركة كهرباء نهر إبراهيم.

2. جباية فاسدة وهيكلية مشوهة
تم فصل جباية الفواتير ضمن هيكلية مستقلة، وهو ما فتح الباب على مصراعيه للسرقة المنظمة. الحصرية مع الجباية الفاسدة كانتا أول لبنتين في جدار الفساد الذي شُيّد على حساب أموال الشعب اللبناني.

3. صفقات فيول مشبوهة
الفيول كان بابًا آخر من أبواب الفساد. صفقات مشبوهة مع شركات متورطة في تمويل الطبقة السياسية عبر العمولات، غرامات التأخير، والتلاعب بالمواصفات. كل ذلك كان يحدث بينما الشعب يعاني من انقطاع مستمر للكهرباء.

4. مأساة البواخر
جاءت مرحلة البواخر لتفتح فصلًا جديدًا من النهب. لم يتجرأ حتى رفيق الحريري، في عز نفوذه، على استئجار تلك البواخر، لكن العهد الحالي فعل ذلك، مما أدى إلى هدر مئات الملايين من الدولارات من أموال المودعين عبر تمويل استئجار هذه البواخر.

5. سيطرة تجار المازوت وزعران الأحياء
أدى التقنين المتعمد للكهرباء إلى نشوء طبقة جديدة من الأثرياء، بدءًا من كبار تجار المازوت المرتبطين بالأحزاب الحاكمة، وصولًا إلى “زعران الأحياء” الذين يديرون المولدات ويتقاضون مبالغ طائلة من دون أي رقابة أو ضرائب. هذه التجارة السوداء أخرجت مئات ملايين الدولارات من الدورة الاقتصادية الرسمية وخلقت طبقة متوسطة من المفسدين أصبح دخلها يعادل دخل الطبيب والمهندس.

6. الدعم والتهريب إلى سوريا
بلغت السرقة ذروتها في فترة الدعم، حيث جرى تهريب الفيول والمازوت إلى سوريا، مما استنزف احتياطات البنك المركزي. هذه العملية وحدها تسببت في خسارة لبنان ما يزيد على 50 مليار دولار، وهي أموال كانت ستكفي لإنقاذ البلاد من الانهيار.

7. سدود فاشلة وقروض منهوبة
لم تتوقف الجرائم عند هذا الحد، بل شملت مشاريع سدود فاشلة لم تستطع حفظ كوب ماء، وقروضًا دولية نُهبت بالكامل، مما أضاف مئات الملايين من الدولارات إلى فاتورة الفساد.

الخسائر الكارثية: إبادة اقتصادية حقيقية

وزارة الطاقة مسؤولة بشكل مباشر عن خسائر تتجاوز 80 مليار دولار، وخسائر غير مباشرة تفوق ذلك الرقم بكثير. نحن نتحدث عن انهيار قطاعات الصناعة والزراعة، إغلاق المؤسسات، تفشي الأمراض نتيجة انبعاثات المولدات، وتدمير فرص العمل. هذه الخسائر تفوق في تأثيرها الحروب العسكرية، مما يجعل “الإبادة الاقتصادية” وصفًا دقيقًا لما حدث.

هل هناك أمل في التحرر؟

تحرير وزارة الطاقة من قبضة التيار الوطني الحر قد يكون الخطوة الأولى في طريق طويل لاستعادة لبنان. لكن هل العهد الجديد قادر على ذلك؟ هل سيجرؤ على كسر الاحتكار وفتح المجال أمام الشركات الخاصة والمستثمرين؟ أم أن المافيا السياسية التي اعتاشت على نهب ثروات البلاد ستظل تفرض هيمنتها؟ هذه أسئلة مفتوحة تنتظر إجابات من الواقع، لا من الشعارات.

الخلاصة

ما حدث في وزارة الطاقة لم يكن مجرد فساد إداري أو سوء إدارة، بل كان عملية تدمير ممنهجة لاقتصاد البلد، تستحق أن تُوصف بـ”الإبادة الاقتصادية”. تحرير الوزارة من هيمنة الفاسدين قد يكون الخطوة الأولى، لكن الطريق إلى الإنقاذ طويل ومليء بالعقبات، خصوصًا في بلد باتت فيه المافيا السياسية جزءًا من هيكل الدولة نفسها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى