مليارات حزب الله
من إيران إلى كولومبيا، ولبنان وفرنسا
الجزء الأول
مجلة لوبوان – العدد 2698 – ترجمة صوفي شماس
18 نيسان 2024
مع تعرّض إسرائيل لأول مرة لهجوم مباشر من قبل إيران، أجرت مجلة لوبوان تحقيقا حول جناح طهران المسلح في الخارج، حيث تابع مراسلونا آثار حزب الله في أميركا الجنوبية، حيث يسيطر على جزء من تجارة المخدرات.
على حدود إسرائيل، في جنوب لبنان، حلت الميليشيا مكان دولة مفلسة تقريبا وتهدّد بجر الشرق الأوسط إلى حرب مدمّرة. إنها مترامية الأطراف ولديها روابط وأنشطة دعم في فرنسا. إنه تحقيق وتقرير عن شركة متعددة الجنسيات للإرهاب والجريمة وتهريب المخدرات.
في حي ريومار الأنيق في بارانكويلا، المدينة الكولومبية الكبيرة الواقعة على ساحل المحيط الأطلسي، في شمال البلاد، تم تسجيل شركة تصدير مواد البناء والفحم ZangaSAS في مبنى سكني ذو جدران باللون الأبيض الشاحب يمكن الوصول إليه عن طريق مجموعة من السلالم. وجدت نفسها في أيلول 2023 وقد فرضت عليها وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات، في نفس الوقت الذي فرضت فيه عقوبات على سبعة أفراد وست شركات أخرى في كولومبيا، وأيضا في فنزويلا وبنما وبليز والمكسيك، مع تداعيات امتدت إلى الصين، وأستراليا وقبل كل شيء لبنان. الأمر الذي سلّط الضوء على منطقة مشتبه بها بالإرهاب وتهريب المخدرات وتبييض الأموال، على خلفية تمويل حزب الله اللبناني.
في قلب هذه الاختلاسات تقع عشيرة رضا التي يتزعمها عامر محمد عقيل رضا، مواطن كولومبي لبناني يمتلك ثلاثة جوازات سفر على الأقل، وتاريخي ميلاد، عامي 1964 و1967، والعديد من صناديق البريد. إنه يخفي آثاره ويفلت من المراقبة، لكنه كان إحدى الشخصيات الرئيسية في شبكات حزب الله في أميركا اللاتينية لأكثر من ثلاثين عاما.
تشتبه الإدارة الأميركية بانتمائه إلى الوحدة 910، التي تسمى أيضا منظمة الجهاد الإسلامي، وهي الهيكل المسؤول عن العمليات الخارجية للحركة الإسلامية الموالية لإيران.
نشاط تحت الأرض
هرب رضا إلى لبنان في العام 2014، وهو يدير مع عائلته شركات استيراد قوالب الفحم: Tucan Trading SARL وBlack Diamond SARL . أما ابنه، مهدي عقيل الهلباوي، فقد تم وضعه في الطرف الآخر من السلسلة، على رأس ZangaSAS ، في بارانكويلا، حيث تمتلك العشيرة متاجر للملابس الجاهزة، ومحل مجوهرات، وحتى مطعم بيتزا. كعميل ومسؤول لدى حزب الله، يستخدم عامر ما يصل إلى 80 في المئة من عائدات شركاته التجارية لتمويل الحزب، كما أشارت وزارة الخزانة الأميركية في قرارها الصادر في 12 أيلول 2023. ويبدو أن الشركات المعنية تدير نشاطا سريا أكثر ربحا: غسل تهريب المخدرات. ووفقا لتقارير الخبراء، فإن الكوكايين، الذي توفر كولومبيا 70 في المئة من الإنتاج العالمي منه، هو المصدر الثاني لتمويل الحزب الشيعي اللبناني، بعد المساعدات التي تقدمها إيران. وتدرج واشنطن نحو ألفي فرد وشركة مرتبطة بحزب الله في ملفها الخاص بـ”أباطرة المخدرات الأجانب”.
في العام 2013 تم القبض على سامر، شقيق عامر محمد عقيل رضا، في السلفادور وبحوزته 500 كيلوغرام من الكوكايين مخبأة في شحنة أناناس قادمة من بنما. استقر سامر لفترة في بليز، ثم في بارانكويلا، ثم لجأ إلى كاراكاس. أسس شركة عملات مشفرة هناك، BCI Technologies، والتي تم اتهامها أيضا في أيلول 2023 من قبل محققين أمريكيين بدعمها حزب الله. وتعد العملة المشفّرة، التي يستخدمها نظام نيكولاس مادورو، مصدرا آخر لتمويل المجموعة شبه العسكرية اللبنانية، كما يشتبه المكتب الوطني الإسرائيلي لمكافحة تمويل الإرهاب، الذي استولى على 1.7 مليون دولار من هذه الأصول الرقمية في حزيران 2023. تكشف دراسة لسجلات شركة ZangaSAS عن إجمالي 43 شحنة من الفحم تم إرسالها من كولومبيا، بين عامي 2016 و2021، إلى لبنان، ولكن أيضًا إلى الكويت والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل – عبر ميناء أشدود – والولايات المتحدة. في الوقت نفسه، استقبلت شركة أخرى للعائلة، Tucan Trading، في بيروت، ما لا يقل عن 25 سفينة، بما في ذلك 14 سفينة شحنتها شركة ZangaSAS . ولعشيرة رضا أيضا فرع تجاري في أستراليا، حيث تقيم ماريان عقيل رضا، والتي تصف نفسها في ملفها الشخصي على شبكة التواصل الاجتماعي LinkedIn كخبيرة في قضايا الجمارك والخدمات اللوجستية للموانئ.
الكوكايين الأسود
رائحة القوالب السوداء تشبه المسحوق الأبيض. منذ أكثر من عشرين عامًا، طوّر الكيميائيون العاملون لدى العصابات الكولومبية طريقة لتحويل هيدروكلوريد الكوكايين إلى اللون الأسود وجعله غير قابل للكشف بواسطة الكلاب البوليسية. وفي العام 2018، تم تفكيك مختبر ومصادرة شحنة، قبل أن تغادر إلى ميناء اللاذقية السوري، الذي يسيطر عليه نظام بشار الأسد، الحليف الآخر لحزب الله. كما تم العثور على “الكوكايين الأسود” بكميات كبيرة في الباراغواي. وفي تشرين الأول 2020، تمت مصادرة حوالي ثلاثة أطنان في ميناء فيليتا النهري. كان من المقرر أن تمر الشحنة عبر آنفير وتصل إلى حيفا في إسرائيل.
ومع ذلك، استهدف حزب الله أيضا الباراغواي لتطوير أنشطته هناك. وتعتبر منطقة الحدود الثلاثية (الباراغواي، البرازيل، الأرجنتين)، وبالأخص مدينة سيوداد دي إستي، أحد معاقلها منذ أكثر من ثلاثين عاما. وفي العام 2018، ألقت الشرطة البرازيلية القبض على أسعد أحمد بركات في هذه المنطقة، للاشتباه بأنه مدير مالي لدى حزب الله. ويمكن إثبات علاقته المباشرة مع حسن نصر الله، أمين عام حزب الله لمدة ثلاثين عاما.
العضو السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي والذي تحول إلى خبير في الإرهاب في معهد واشنطن ومؤلف: “حزب الله: البصمة العالمية لحزب الله في لبنان” (مطبعة جامعة جورج تاون، 2013)، قال، “افتتح بركات متجرا للإلكترونيات في سيوداد ديل إستي في الباراغواي، لكن في الواقع، كانت شركة “كاسا أبولو” تقوم بتحويل الأموال إلى مؤسسة شهداء حزب الله”. عندما داهم الباراغواييون “كاسا أبولو” في العام 2001، اكتشفوا رسالة من نصر الله موجهة إلى بركات يقول فيها، “أنا ممتن لمساهماتكم ودعمكم.”
حددت الولايات المتحدة الرئيس المحافظ السابق هوراسيو كارتيس جارا على أنه على صلة بقادة الحركة الإرهابية. الأمر نفسه ينطبق على نائب الرئيس السابق (2018-2023) هوغو فيلاسكيز مورينو. أما المدعي العام مارسيلو بيتشي، أحد رموز مكافحة الجريمة المنظمة، فقد اغتيل في أيار 2022 على شاطئ على الساحل الكاريبي لكولومبيا، بالقرب من قرطاجنة، أثناء قضائه شهر العسل. وصل قاتلان مأجوران إلى الشاطئ على متن دراجة نارية، وأطلقا النار عليه ثلاث مرات في رأسه، أمام زوجته وعشرات السياح. ووفقاً لإيمانويل أوتولينغي، الخبير في شبكات حزب الله في “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية”، وهي مؤسسة بحثية أميركية إسرائيلية، فإن المدعي العام بيتشي كان لديه العديد من الأعداء، بدءاً من حزب الله. ويشتبه مدير الشرطة الوطنية الكولومبية، خورخي لويس فارغاس، في أن “منظمة إرهابية متطرفة” تقف وراء جريمة القتل، لكنه لم يذكر اسمها.