عهدٌ انتهى قبل أن يبدأ
بقلم تادي عواد –
كان اللبنانيون، يترقبون بريق أمل مع انتخاب الرئيس جوزيف عون وتكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة. تلك اللحظة، التي ظنها الشعب بداية لعصر جديد من الإصلاح والمحاسبة، تحوّلت سريعًا إلى خيبة أمل مريرة. فما لبثت الآمال أن تبدّدت عند أول استحقاق حقيقي: تشكيل الحكومة.
الشعب اللبناني، الذي خرج من سنوات طويلة من الفساد والجمود، كان ينتظر حكومة تغيّر المعادلة، تضع حدًا لهيمنة الطغمة الحاكمة، وتعيد الدولة إلى مسارها الصحيح. لكنّ الواقع جاء صادمًا: لبنان لم يغادر المربع الأول. فالثنائي الشيعي، الذي يُعتبر رمزًا لتآكل الدولة ومؤسساتها، عاد إلى المشهد، وبنفس القوة، إن لم يكن أكثر. المفاجأة لم تكن في عودتهم، إذ باتت قوتهم راسخة في ظل ضعف الأطراف الأخرى، لكنّ الصدمة الحقيقية كانت في الرضوخ الكامل لرئيس الجمهورية والرئيس المكلف لشروطهم.
لقد أعاد هذا الثنائي تثبيت قبضته على مفاصل الدولة عبر الاستحواذ على وزارة المالية وعدد من الوزارات الحساسة، التي تم اختطافها منذ سنوات وأصبحت مرتعًا للفساد والصفقات المشبوهة. أما الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، فقد ظهرا وكأنهما بلا قدرة أو رغبة في كسر هذا الاحتكار، بل اكتفيا بلعب دور “الممرّرين”، متناسين أن الشعب الذي منحهم الأمل كان ينتظر موقفًا حازمًا يعيد الثقة بمؤسسات الدولة.
هذا المشهد لم يكن إلا دليلًا على أن العهد الجديد انتهى قبل أن يبدأ. لم تكن هناك أي نية حقيقية للتغيير، بل مجرد استكمال لمسار قديم قائم على المحاصصة والفساد. الشعب، الذي أنهكته الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، كان ينتظر قيادة تنتشله من القاع، فإذا به يجد نفسه أمام استسلام كامل للمنظومة التي أوصلت البلاد إلى هذا الدرك.
إن اللبناني، الذي اعتاد على الخيبات، لا يزال يقف على حافة الانتظار، لكنه يدرك اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن التغيير الحقيقي لن يأتي عبر هذه الطبقة الحاكمة، بل يحتاج إلى ما هو أعمق من مجرد تبديل الأسماء والمواقع. لبنان، للأسف، ما زال عالقًا في الدوامة ذاتها، والشعب وحده هو الذي يدفع الثمن.