معالجة “الحرد الشيعي” لا تكون بالخضوع للابتزاز

بقلم تادي عواد –
في سياق تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، يتصاعد الجدل حول توزيع الحقائب الوزارية، مع التمسك بقاعدة تجعل وزارة المالية حصرية للطائفة الشيعية، والإصرار على تكريس عرف غير مكتوب. هذا الإصرار، الذي يُسوَّق تحت مسمى “التوازن الطائفي”، لا يمكن وصفه إلا بأنه شكل من أشكال الابتزاز السياسي الذي يهدد ما تبقى من مقومات الدولة اللبنانية.
رفض الابتزاز لتثبيت الشراكة الوطنية
إن الإصرار على اعتبار وزارة المالية “حقاً مكتسباً” للطائفة الشيعية يمثل محاولة لفرض أعراف تتعارض مع الدستور وروح اتفاق الطائف. فالدولة لا تُبنى على نزعات طائفية أو مطالب فئوية، بل على مبدأ المواطنة المتساوية والشراكة الحقيقية بين مختلف مكونات الشعب اللبناني. الرضوخ لهذه المطالب اليوم يعني تكريس أعراف غير دستورية تُمهِّد الطريق لمزيد من الانقسامات والمطالب المماثلة في المستقبل.
الدستور فوق الجميع
لبنان دولة قائمة على الدستور، لا على أعراف تُفرض بالضغط. وقد نص اتفاق الطائف بوضوح على إلغاء الطائفية السياسية كهدف استراتيجي. فكيف يمكن الحديث عن بناء دولة مدنية في ظل القبول بأعراف طائفية جديدة؟ إن التسليم بهذا الواقع يعني الإقرار بأن لبنان أصبح محكوماً بمنطق المحاصصة، لا بمنطق الدولة.
حوار لا خضوع
معالجة ما يُسمى بـ”الحرد الشيعي” لا تتم بالخضوع للابتزاز أو التنازل عن مبادئ الدولة، بل من خلال التأكيد على أن توزيع الحقائب الوزارية يجب أن يستند إلى الكفاءة والقدرة على تلبية تطلعات الشعب، لا إلى الولاء الطائفي أو السياسي.
فرصة لإعادة بناء الدولة
رفض تكريس وزارة المالية كـ”ملكية طائفية” ينبغي أن يكون نقطة انطلاق نحو إصلاح أعمق للنظام السياسي اللبناني. الأزمة الراهنة تمثل فرصة لتكريس مفاهيم الدولة المدنية وتفكيك نظام المحاصصة الطائفية الذي دفع لبنان إلى حافة الانهيار. المطلوب هو العودة إلى مفهوم الدولة، حيث تُوزع المسؤوليات على أسس مهنية ووطنية، بعيداً عن الحسابات الضيقة.
لبنان لا يمكن أن يُبنى على منطق الترضيات والابتزاز. الوقوف بحزم في وجه محاولات تكريس أعراف طائفية جديدة ليس موقفاً ضد طائفة بعينها، بل هو دفاع عن الدولة ومستقبلها. الحكومة المقبلة يجب أن تكون حكومة وطنية بحق، قائمة على الكفاءة والشراكة الحقيقية، لا على تكريس نفوذ طائفي يعمّق الانقسامات ويُضعف ما تبقى من هيبة الدولة.