لبنان

الحالة العونية: ثلاثة تيارات متناحرة داخل التنظيم وخارجه

نادر فوز – المدن

البحث في الحالة العونية متشعب. ثورة 17 تشرين هي أولاً أزمة مروّعة للتيار الوطني الحرّ على صعد مختلفة. وما حاول التيار تداركه مطلع الثورة، بالادعاء أن الشعب المنتفض يحمل شعارات التيار وكتلتيه النيابية والوزارية، لم يعد يُصرف في الحسابات السياسية والتنظيمية.

حتى جمهور العونية السياسية الذي كان مقتنعاً بهذا الأمر قبل أسابيع، أو ينساق وراء هذا التبنّي أقله، لم يجد ما يحكيه أو يدافع عنه. وداخل التيار، تياران. الأول، يتمثّل برئيسه وصهر الجنرال عون، الوزير والنائب جبران باسيل. والثاني، من قيادات صف أوّل من نواب “تكتل لبنان القوي”، ومعهم قيادات تنظيمية تجد أنّ المسار الذي حدّده باسيل في السياسة والتنظيم والإدارة يتّجه إلى الهواية. وما كان بالإمكان التغاضي عنه قبل الثورة\الأزمة، بحجة عدم إضعاف العهد، بات قابلاً للانفجار.

لذلك يحاول التيار المعارض لباسيل داخل “التيار” الخروج من المأزق بصيغة ما لوقف النزيف الحاصل. نزيف تنظيمي وسياسي، باتت فيه الحالة العونية تعجز عن جمع المناصرين والناس. فورقة “فخامة الرئيس” لُعبت مرة وانتهت، في اعتصام دعم عون في بعبدا الهزيل مطلع تشرين الثاني الماضي. وباسيل، الذي مشى في ذلك الاعتصام برفقته عشرات العسكر والمرافقين، ظهر في موقع الضعف لا العكس. ما أراد تكريسه من قوة في السلطة انعكس عليه شخصياً، ووضعه في خانة الزعيم الخائف حتى بين ناسه وناس تياره.

تيارات ثلاثة
ويضاف إلى تياري باسيل والنواب المتمايزين، حالة عونية أخرى تتمثّل بالعائلة. ليس الحديث عن التناقضات والصراعات داخل هذه العائلة أمراً شخصياً، على اعتبار أنّ لكل منهم دوراً سياسياً يلعبه. وبالتالي، الخلاف بين أفرادها لا يحتمل الخصوصية. وما يجري بين باسيل من جهة والنائب شامل روكز وعقيلته كلودين واختها ميراي من جهة أخرى، أكبر من مجرّد أزمة عائلية، بل شرخ سياسي بامتياز. وأمام واقع التيارات العونية الثلاثة القريبة من الرئيس، يدور النقاش الجدي حول المستقبل السياسي للتيار الوطني الحر ومن يتحكّم به.

يرفع التيار الباسيلي نفَس المظلومية في الداخل كما الخارج. فجرى تطويع الخطاب الإعلامي المرتكز على نظرية “ما عم يخلونا نشتغل”، داخلياً ليصبح “مش شايفين إلا جبران”. أي أنّ الثوار (أو قطّاع الطرق حسب إعلام التيار) لا يريد إلا إسقاط باسيل عن عرشه. في حين يعتبر التياران الآخران أنّ الأمور وصلت إلى حد غير مقبول، وتستوجب تغيير المعادلة الداخلية وإجراء التغييرات التنظيمية وفكّ قبضة باسيل الحديدية على التنظيم العوني، وتخفيف إحكامها على المسار السياسي الذي بات متربطاً بشخصه.

بين التنظيم والخارجين عنه
حاول باسيل، منذ الأسبوع الثاني لانطلاقة ثورة 17 تشرين، فتح قنوات التواصل مع العونيين السابقين. أو مع العونيين الذين تركوا التنظيم الحزبي طواعية، أو الذين طردوا منه حتى بفعل قرارات باسيل. بادئ الأمر، جرى التواصل مع “القدامى” من باب فتح باب بعبدا أمامهم والجلوس مع فخامة الرئيس، القائد الذي آمنوا به وتتلمذوا على يديه. ورقة تعزّ على العونيين المفصولين وتدغدغ مشاعرهم، عن حق. العوني، عوني. ويبقى عونياً وجداناً وتهويماً. ومن يكون عونياً للحظة تصعب “معالجته”، مع استثناءات تكرّس القاعدة طبعاً.

من بين هؤلاء القدامى من سبق وتقدّم بطلب زيارة الرئيس منذ ثلاث سنوات. لم يلق جواباً من حينها، وإذ باتصال يحصل ويُفتح له ذاك الباب مجدداً. لكن ذلك لم يحصل. فمن عاش لحظات وردية عاد وارتطم بجدار واقعية التنظيم العوني. حُددت مواعيد وألغيت في اليوم نفسه، حتى أنّ أحد العونيين المفصولين يشكك في “أن يكون الموعد مع فخامة الرئيس قد حُدّد أساساً”، معتبراً أنّ الأمر مجرّد مناورة لجسّ نبض المعارضين من جهة، ومحاولة تهدئة حركتهم من جهة أخرى.

محاولات تواصل مستمرة
ورقة زيارة بعبدا لُعبت ولم تفلح. على الأقل حتى الساعة. فلعبت قيادة التيار الوطني الحرّ ورقة أخرى، وهي تواصل التنظيم مع العونيين السابقين، بهدف إعادة لمّ الشمل. أسماء لا تعدّ ولا تحصى من قياديين وناشطين باتوا خارج التيار ونشطوا طوال سنوات بعيداً عن الجو الباسيلي الذي طهّر معارضيه. لكن هذه الاتصالات تركّزت على محورين أساسيين، أو تيارين عونيَين خارج التنظيم، أو مجموعتين من الناشطين على تواصل مع بعضهما البعض رغم التمايزات والاختلافات بينهما.

وتجلّت هذه الحركة تحديداً في نشاطية مدير مكتب باسيل لشؤون التيار الوطني الحر، منصور فاضل. اتّصل الأخير مع أكثر من قيادي سابق في التيار الوطني الحر، محاولاً شرح المرحلة وضرورة عودة من انكفأ أو خرج إلى صفوف التنظيم.

تحييد بعبدا
كان الهدف الفعلي من هذه الاتصالات، أولاً محاولة وصل ما انقطع ولو صورياً مع جيش المفصولين، وثانياً التركيز الجدي على استبعاد أي موقف عدائي من بعبدا في التحرّكات الشعبية، أكان على شكل المطالبة بإسقاط عهد الرئيس عون، أو حتى التحرّك باتجاه القصر بتظاهرات مطالبةٍ تحديد موعد الاستشارات النيابية، وتشكيل حكومة إنقاذ من خارج السلطتين السياسية والمالية ووفق الأصول الدستورية. وفعلياً، كان هذا هو الهدف الفعلي من التواصل: تحييد بعبدا. مع العلم أنّ أجواء العونيين خارج التنظيم تؤكد على أنّ التركيبة السياسية العامة الحالية لا تعبّر عنهم، وكذلك التركيبة التنظيمية. فما الذي قد يدفعهم إلى العودة؟ خصوصاً أنّ من سيفاوض السلطة أو يحاورها أو يمشي في خياراتها الإصلاحية المزعومة ستسقط عنه تلقائياً صفة “ثورة تشرين” أو صفة المشاركة فيها. وسيتحوّل بشكل مباشر إلى عميل للسلطة.

الحائط المسدود
لم تنجح هذه الاتصالات حتى الساعة في إصلاح ما خرب بين باسيل ومن فصلهم من التيار. ليس هذا بالأمر السهل أساساً. لا يمكن التغاضي عن سلوك الإمعان في محاصرة القيادات والناشطين وعزلهم سياسياً واجتماعياً وتنظيمياً بلغة فوقية مذلّة. والواقع يقول أيضاً، أنّ أزمة التيار الوطني الحرّ جدية وعميقة. التيار اليوم أشبه بقطار يسير على سكّة من دون فرامل ولا أمان. تدرك قيادة التيار ذلك جيداً، وتدرك حجم الأزمة التي تعيشها، وإلا لما كانت قد تنازلت وتواصلت مع مَن فصلتهم. فإذا أعاد النظر العونيون المفصولون وعادوا إلى التيار قد يكسبون مقعداً وزارياً تمثيلياً، لكنهم لن يربحوا تنظيماً وسيخسرون ساحة ثورة. ثمة من ترجّلوا من قطار التيار الوطني في محطات سابقة. والطلب إليهم العودة والركوب فيه، أشبه بدعوتهم إلى الموت السياسي عن سابق تصوّر وتصميم.

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button