حزب الله يتحدى “من هنا ستمر القوافل”.. تفاصيل خارطة طريق (طهران-بيروت) التي ستمر من دمشق
حزب الله ومعابره الخاصة، حديث لا يكاد ينتهي في زمن يكون في الحزب هو الدولة الآمرة بسلاحه ومليشياته، فالتساؤلات تزداد يومياً عن حجم التفلت في ضبط الحدود بين سوريا ولبنان التي تعجّ بعشرات المعابر غير الشرعية تسرح وتمرح عبرها عمليات تهريب البضائع، وسط اتّهامات لجهات حزبية مسيطرة على حركة الحدود بالتورّط بها والاستفادة منها.
وأثارت قوى سياسية لبنانية عدة في الآونة الأخيرة ملف التهريب عبر الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا، حيث تعبر مئات الشاحنات المُحمّلة بالقمح والطحين وصهاريج المازوت والبنزين وكلها مواد أساسية مدعومة من مصرف لبنان وفق السعر الرسمي.
ومع أن هذا الموضوع يدخل في صلب معركة اللبنانيين ضد الفساد ولائحة الإصلاحات التي تطالب بها الدول المانحة كشرط لمدّ الاقتصاد المتعثّر بالسيولة التي يحتاجها، غير أن الحديث عنه بقي محصوراً في إطار عمليات ضبط الحدود من دون أن يشمل المعابر “العسكرية” التي يستخدمها حزب الله حصراً للتنقّل لتهريب السلاح والأشخاص ونقل آليات عسكرية وأسلحة ثقيلة تتنوّع بين المدافع وراجمات الصواريخ والدبابات، فضلاً عن شبكة الأنفاق المرتبطة بأنفاق أخرى تصل الأراضي اللبنانية بالسورية.
ويأتي في الإطار الصور التي انتشرت منذ أيام لطريق معبّدة حديثاً قيل إنها لطريق الزبداني، وأرفقت بمقطع صوتي لمقاتل من الحزب يقول فيه: “هذه الصورة للمعبر الأحدث على الحدود اللبنانية السورية، معبر الزبداني”. وأضاف: “من خدم (عسكرياً) في سوريا، يعرف كيف كانت هذه الطريق، وهذه رسالة لأعداء الداخل والخارج… من هنا ستمرّ القوافل قريباً”.
معابر حزب الله العسكرية
فما هي خريطة المعابر الميدانية-العسكرية التي يستخدمها “حزب الله” لنقل مقاتليه إلى خارج لبنان وتهريب السلاح؟
يقول رئيس المنتدى الإقليمي للاستشارات العميد المتقاعد خالد حماده لـ”العربية.نت” “إن شرق منطقة الهرمل الحدودية تُشكّل بيئة حاضنة لتنقّل مقاتلي حزب الله، لاسيما منطقتي القصير والقصر الواقعتين تحت نفوذ حزب الله ورقابته المحكمة”.
وفي الإطار، أوضح مصدر عسكري لبناني لـ”العربية.نت” “أن أكثر النقاط التي تتم فيها عمليات التهريب توجد في جرود بلدة رأس بعلبك في البقاع الشمالي وبلدة القصير، إذ تشهد حركة مشاة يومية من الجانبين اللبناني والسورية”.
ولفت حماده إلى “أن حزب الله يستخدم هذه المنطقة لتمرير قوافل التموين اللوجستي (سلاح وعتاد) لمعاركه في سوريا”.
وإلى جانب معبر (إبش) الواقع بين بلدتي القصير والقصر، يستخدم حزب الله معبراً يبدأ من بلدة النبي شيت الواقعة في جنوب شرقي مدينة بعلبك، ويمرّ عبر بلدة جنتا وجرودها إلى قرية الشعرة، قبل أن ينحدر شرق السلسلة الشرقية داخل الأراضي السورية باتجاه مدينة الزبداني غرب دمشق، ويصل منها إلى العاصمة السورية. وأضاف “أن حزب الله يعتبر هذين المعبرين (جنتا والقصر) قاعدة عسكرية تابعة له، وهما يعجّان بقوافل التموين والمقاتلين وتمرّ عبرهما الأسلحة الثقيلة كالدبابات”.
معسكرات تدريب
إلى ذلك، أشار إلى “أنه في محاذاة هذين المعبرين يُقيم حزب الله معسكرات تدريب ومواقع أساسية تابعة له، وهي موجودة بشكل كبير في جرود بلدة النبي شيت”.
وتتوزّع بقعة عمليات حزب الله في شمال وسط سوريا ضمن محيط الشام وحمص وصولاً إلى منطقة حماه، وبالتالي فإن الوصول إليها لا يتم إلا من خلال الحدود الشرقية من لبنان إلى سوريا.
وتتداخل الحدود غير المُرسّمة بين لبنان وسوريا وتمتد في منطقة جبلية واسعة ضمن السلسلة الشرقية. وهذا ما يضع أجهزة الرقابة في لعبة “القطط والفئران” مع المهرّبين.
التهريب شرقاً أسهل من الشمال
ومع أن الحدود بين لبنان وسوريا ليست متداخلة فقط من الجهة الشرقية للبنان وإنما أيضاً في شمال لبنان، غير أن التهريب عبر الحدود الشمالية مع سوريا أمر صعب يخضع لاعتبارات جغرافية وحتى مناطقية، لأن الوضع على الحدود الشرقية للبنان أسهل، خصوصاً لجهة تهريب السلاح لـ”حزب الله”، لأن الأخير يتحرّك بحرية في تلك المنطقة.
أكثر من 160 معبراً غير شرعي
وفي هذا السياق قال الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية العميد المتقاعد خليل الحلو لـ”العربية.نت” “إن هذه الحدود التي تبدأ من وادي خالد شمالاً مروراً بمعبر الجوسيه في القاع ورأس بعلبك وجرود الهرمل في البقاع وصولاً إلى بلدة عرسال ومعبر المصنع وبلدة يانطة في دير العشاير، يوجد فيها أكثر من 160 معبراً غير شرعي ومليئة بالتضاريس ما يُسهّل عمليات التهريب”.
وأضاف “الجيش اللبناني يستطيع بكل سهولة ضبط هذه الحدود ووقف عمليات التهريب على أنواعها إذا ما توفّر القرار السياسي الجدّي بضبط الحدود، خصوصاً أن هناك أبراج مراقبة مقدّمة من بريطانيا تم تركيبها على طول الحدود الشرقية كما تم تشكيل أربعة أفواج برية في الجيش اللبناني لمراقبة الحدود”.
مصالح حزب الله
ورغم المصلحة اللبنانية العليا بضبط الحدود وإقفال المعابر غير الشرعية لما لها من تأثير سلبي على الاقتصاد، إلا أنها تتعارض مع مصالح حزب الله الذي يستفيد من الفلتان عبر الحدود لتمرير السلاح والمقاتلين وتهريب كل أنواع المنتجات.
وأشار الحلو الى “أن حزب الله المشارك بالحكومة منذ العام 2005 يمنع صدور قرار رسمي بضبط الحدود لأنه يتعارض مع مصالحه الاستراتيجية”، واعتبر “أن الحكومة الحالية ليس لديها القدرة على اتّخاذ قرار كهذا، وأمين عام حزب الله حسن نصرالله قالها صراحةً بأن ضبط الحدود يجب أن يتم بالتواصل مع الحكومة السورية”.
معسكر قوسايا.. وأنفاق التهريب
وإلى جانب معبري القصر وجنتا، تعتبر معسكرات قوسايا في البقاع الغربي (قرب مدينة زحلة) من المعابر الحدودية “السهلة” جداً لحزب الله لتهريب السلاح على أنواعه، خصوصاً الدبابات والمدافع.
ونقلت “العربية” عن مصادر مصادر أن هذه المعسكرات التابعة لتنظيم الجبهة العامة الفلسطينية بقيادة جهاد جبريل نجل القيادي أحمد جبريل، تضمّ أنفاقاً تصل حتى العمق السوري.
ويعدّ هذا التنظيم من أبرز التنظيمات الفلسطينية المتعاونة مع النظام السوري وحزب الله لجهة عمليات تهريب السلاح وتدريب المقاتلين. وينشط بشكل أساسي في منطقة قوسايا وضواحيها في منطقة البقاع على الحدود اللبنانية السورية خلف حدود بلدة كفرزبد، ضمن منطقة جبلية وعرة تتداخل فيها الحدود بين لبنان وسوريا بشكل معقّد، وتتوزّع قواعدها بين مواقع في البقاعين الأوسط والغربي في مناطق قوسايا وعين البيضا ودير زنون والمعيصرة ووادي حشمش ولوسي وجبيلة والسلطان يعقوب والفاعور.
وأوضح حماده “أن معبر جنتا في جرود بلدة النبي شيت يبعد عن منطقة قوسايا نحو 9 كيلومتر، أما الوصول إليه من الداخل السوري فلا يحتاج إلا لقرابة 3 كيلومتر، ما يؤكد أن تلك المنطقة قاعدة عسكرية تابعة لـ”حزب الله” يوجد فيها آليات عسكرية ثقيلة مثل الدبابات ومراكز تدريب للمقاتلين”.
كما أكد “أن معسكر قوسايا بمثابة بنية تحتية يستخدمها حزب الله لتخزين الصواريخ والمعدات العسكرية الثقيلة وإيواء المقاتلين”.
طريق طهران-بيروت
إلى ذلك، لفت إلى “أن طريق طهران بيروت التي سبق وأشار إليها المبعوث الأميركي للملف السوري جيمس جيفري تمرّ عبر هذه المعابر العسكرية الميدانية التابعة لـ”حزب الله” ربطاً بمعبر البوكمال الذي شهد منذ أسبوعين عملية عسكرية نفّذتها ميليشيات إيرانية وتم طرد حواجز الجيش السوري، كذلك سُجّلت حركة للقوات الروسية التي دخلت إلى المنطقة وحصل اشتباك بين الميليشيات المدعومة منها والميليشيات المدعومة من إيران”.
كما اعتبر “أن اتّجاه الحكومة اللبنانية بالتوجّه شرقاً كما دعاها أمين عام حزب الله حسن نصرالله منذ أسابيع سيتمّ عبر معبر البوكمال، والكلام عن تزويد العراق النفط للبنان مقابل الغذاء سيتمّ عبر معبر البوكمال”.
في الختام، لم يستبعد العميد المتقاعد “أن تكون هذه المعابر العسكرية لـ”حزب الله” مرشّحة لأن تكون في دائرة الاستهداف الأميركي عندما نبلغ المرحلة الأخيرة من تنفيذ قانون قيصر”.