النساء المدينات؛ جريمتُهُنّ الفقر وسجنُهُنّ نتيجةُ فساد الحُكم

بقلم حسين عابديني عضو اللجنة الخارجیة للمجلس الوطنیة للمقاومة الایرانیة
إنّ الارتفاع غير المسبوق في عدد النساء السجينات بسبب الديون المالية في إيران يقدّم صورة صادمة لبلدٍ لا يُعالِج الفقر ولا يحمي ضحاياه، بل يُجرّمُهُ ويُعاقِبُه. فالنساء الإيرانيات اليوم هنّ الضحايا الصامتات لسياسات دمّرت الاقتصاد، وأفرغت العدالة من مضمونها، وحوّلت السجون إلى أداة للسيطرة الاجتماعية. وهذه الأزمة ليست حادثاً عابراً، بل نتيجة مباشرة لـ الفساد البنيوي، وسوء الإدارة الاقتصادية، والتمييز الجندري المتأصّل في نظام ولاية الفقيه.
ووفقاً للإحصاءات الرسمية لـ«ستاد ديه»، يوجد من بين 20 ألف سجين جرائم غير عمد، 973 امرأة خلف القضبان. هؤلاء النساء لسن مجرمات خطرات ولا يُشكّلن تهديداً للمجتمع؛ إنهنّ مجرد ضحايا لسلسلة من الانهيارات الاقتصادية الناجمة عن التضخم المنفلت، وانهيار قيمة العملة، ونهب الموارد العامة، وغياب أي منظومة حقيقية للرعاية الاجتماعية. وقد اعترف بذلك حتى الإعلام الحكومي؛ إذ نشرت صحيفة آرمان في 20 تشرين الثاني/نوفمبر2025 تقريراً يقرّ بوجود نساء تتراوح أعمارهن بين 20 و90 عاماً في السجون بسبب ديون مالية، مؤكّدةً تفاقم ظاهرة «تأنيث الفقر» واستحكام التمييز الهيكلي ضد النساء في المجتمع الإيراني.
والأخطر من ذلك أنّ 709 نساء مدانات ماليًا هنّ أمهات لثلاثة أطفال أو أكثر. وسجن هؤلاء الأمهات يعني عملياً انهيار الأسر، وانقطاع الأطفال عن الدراسة، وتزايد العنف الأسري، واتساع دائرة الفقر عبر الأجيال. كما توجد بين السجينات 24 امرأة حاصلة على شهادة الدكتوراه؛ طبيبات، أستاذات جامعات، وخبيرات مهنيات أُجبرن على دخول السجن بسبب الانهيار الاقتصادي نفسه الذي دمّر حياة الأسر الفقيرة. وهذا ما يكشف أنّ الأزمة لا تعرف طبقة اجتماعية، وأنّ الجميع يقع تحت وطأة الاقتصاد المنهار.
هذه الوقائع تشكّل انتهاكاً مباشراً لعدة مواد من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، وعلى رأسها:
• المادة 11: التي تحظر صراحةً سجن أيّ شخص لعجزه عن الوفاء بالتزام مالي،
• المادة 9: منع الاعتقال التعسفي،
• المادة 10: ضرورة معاملة السجناء بكرامة،
• المادة 17: حماية الأسرة وعدم جواز الإضرار بها،
• المادة 26: حظر التمييز، وخاصة ضد النساء.
وإضافة إلى ذلك، فإنّ حرمان آلاف الأطفال من أمهاتهم يُعدّ انتهاكاً للمادة 24 الخاصة بحماية الطفل وحقه في الرعاية.
وتبرز قضية سارا گوهري كمثال صارخ على تداخل الفقر مع القمع الأمني. فأسرتها تعاني بشدة في تأمين كفالة قدرها 500 مليون تومان، كما مُنعت من دخول بعض المدن لزيارة ابنتها، في انتهاك واضح لحق حرية التنقّل (المادة 12) وحق المحاكمة العادلة (المادة 14).
النساء المدينات لسن مجرمات؛ إنهنّ ضحايا اقتصاد منهار وسلطة تُجرّم الفقر بدل معالجته. وطالما يستمر نظام ولاية الفقيه في استخدام السجن كإجراء لإخفاء فشله الاقتصادي، فإنّ دائرة انتهاكات حقوق الإنسان ستتعاظم. هؤلاء النساء لسن أرقاماً في الإحصاءات؛ إنهنّ مرآة حيّة لانهيار اقتصادي واجتماعي وأخلاقي يضرب البلاد.




