اخبار العالم

النزاعات الداخلية بين أجنحة النظام الإيراني

في السنوات الأخيرة، تحول النظام الإيراني إلى ساحة صراع داخلي عنيف بين أجنحة السلطة المختلفة، فيما يُعرف بـ”الصراع داخل الحكم”. هذه النزاعات، التي تتجذر في التنافس على السلطة والموارد المالية والنفوذ السياسي، لا تهدد استقرار النظام فحسب، بل تدفعه نحو انفجار داخلي وشيك. في هذا المقال، نستعرض بتحليل معمق جذور هذه النزاعات، مظاهرها، وتداعياتها.

جذور الصراع داخل الحكم
تتأصل النزاعات الداخلية في النظام الإيراني في هيكلية السلطة المتشظية. يتكون النظام من عدة أجنحة رئيسية: القيادة (خامنئي)، الحرس الثوري، المحافظون، وحكومة بزشكيان (القريبة من الإصلاحيين). كل جناح يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة، مما يجعل التعاون بينهم هشًا بسبب تضارب المصالح. الضغوط الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الدولية وانخفاض إيرادات النفط زادت من حدة التنافس على الموارد المحدودة. على سبيل المثال، قضية عودة بابك زنجاني إلى البلاد وعدم الشفافية المحيطة بها تكشف عن الصراع على السيطرة على الموارد المالية. كذلك، الفساد المنهجي، خاصة في القضاء والمؤسسات التابعة للقيادة، يغذي هذه النزاعات. إضافة إلى ذلك، أزمة الثقة بين الأجنحة، لا سيما بين حكومة بزشكيان والمؤسسات الأمنية مثل الحرس الثوري، وصلت إلى ذروتها، حيث يتهم كل طرف الآخر بالعجز أو الخيانة.

مظاهر الصراع داخل الحكم
تتجلى النزاعات الداخلية على مستويات متعددة. على المستوى السياسي، يبرز التنافس على النفوذ في المؤسسات الرئيسية مثل البرلمان. فشلت محاولات المتشددين المحافظين للسيطرة على رئاسة البرلمان، مما يكشف عن عجزهم عن تحقيق توافق حتى داخل جناحهم. في المقابل، تسعى حكومة بزشكيان إلى تعزيز مكانتها من خلال طرح المفاوضات الدبلوماسية، لكن هذا النهج يواجه مقاومة شديدة من الحرس الثوري ومقربي خامنئي.

على المستوى الإعلامي، يظهر الصراع في شكل اتهامات علنية. في ٤ مايو ٢٠٢٥، نشرت صحيفة جوان، التابعة للحرس الثوري، افتتاحية نارية رفضت المفاوضات تحت الضغط، واتهمت حكومة بزشكيان ضمنيًا بالاستسلام للغرب. كذلك، هاجمت صحيفة كيهان، الناطقة باسم خامنئي، الحكومة بعنوان “ماذا تملك الحكومة غير التفاوض؟”، متهمة إياها بتكرار تجربة روحاني الفاشلة وعدم امتلاك خطة بديلة. بل إن حسين شريعتمداري، ممثل خامنئي في كيهان، استخدم عبارات مهينة، واصفًا المسؤولين الحكوميين بـ”العاجزين” الذين لا يستطيعون حتى السيطرة على السوق السوداء للعملة، واتهمهم بالتساهل مع صرافين يتبعون تعليمات قنوات تلغرامية أمريكية. هذه الهجمات تعكس عمق الانقسام وأزمة الثقة.

على المستوى الأمني، يرى الحرس الثوري نفسه “الوصي الحقيقي” على الدولة، ويعتبر أي مرونة دبلوماسية تهديدًا لخطوط النظام الحمراء. هذه النزاعات تؤدي أحيانًا إلى تسريبات متبادلة، مثل كشف معلومات سرية من جناح ضد آخر.

تداعيات داخلية وخارجية
داخليًا، أدى الصراع داخل الحكم إلى تدمير رأس المال الاجتماعي. فقد الناس ثقتهم في المؤسسات الحاكمة، حيث يرون الفساد والعجز في الأجنحة المتصارعة. الاتهامات العلنية، مثل هجمات كيهان على الحكومة، تزيد من هذا الشعور بالإحباط. في الوقت نفسه، يتفاقم الغضب الشعبي، حيث تتزايد الاحتجاجات والإضرابات، مثل إضراب السجناء السياسيين، مما يكشف عن الهوة العميقة بين الحاكم والمحكوم. هذه النزاعات تجعل النظام أكثر عرضة لانتفاضات محتملة.
خارجيًا، شلّ الصراع السياسة الخارجية للنظام. بينما تسعى حكومة بزشكيان لتخفيف الضغوط الدولية عبر المفاوضات النووية، يقاوم الحرس الثوري ومقربو خامنئي هذه الجهود بشعار “لا تفاوض تحت التهديد”. هذا التناقض يجعل النظام أضعف أمام الضغوط العالمية ويحرم البلاد من فرص دبلوماسية.

الخلاصة
الصراع داخل الحكم، الذي بلغ ذروته، ليس مجرد دليل على ضعف هيكلية النظام الإيراني، بل هو محفز لتفككه. النزاع بين حكومة بزشكيان، الحرس الثوري، ومؤسسات خامنئي تحول من تنافس على السلطة إلى أزمة وجودية. الاتهامات العلنية، الهجمات الإعلامية، وانعدام الثقة دفعا النظام إلى حافة الهاوية. يحاول خامنئي الحفاظ على التوازن بين الأجنحة، لكن هذه الاستراتيجية تزداد عجزًا مع تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية. في هذه الأثناء، يتفاقم الغضب الشعبي، ويقترب المجتمع الإيراني من تحولات كبرى. إذا لم يتمكن النظام من احتواء هذه الانقسامات، فقد يؤدي الصراع داخل الحكم إلى انفجار داخلي، كما أظهر التاريخ أن الأنظمة المشطورة تنهار تحت وطأة الأزمات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى