اخبار العالم

الإسلام السياسي الشيعي وضرورة المراجعة الفكرية

لم يكن مفاجئًا أن تهيمن قوى الإسلام السياسي الشيعي على المجال العام في العراق بعد سقوط الدكتاتورية عام 2003، إثر تحول النظام نحو “الديمقراطية”. وقد أتاح هذا التغيير لهذه القوى، الأكثر تنظيمًا وتأثيرًا، الوصول إلى السلطة عبر الانتخابات. ومع ذلك، وبعد أكثر من عقدين من توليها الحكم، لم يطرأ أي تطور ملموس في خطابها السياسي أو مراجعتها النقدية لأفكارها التي تبنتها خلال فترة المعارضة، مما أدى إلى إغفال الحاجة لمساءلة أيديولوجياتها.

جذور الأزمة

لفهم أداء قوى الإسلام السياسي الشيعي، يجب العودة إلى البيئة السياسية التي نشأت فيها هذه الحركات أثناء فترة المعارضة. فقد تأثرت ثقافتها السياسية بالأنظمة القائمة، ما جعلها امتدادًا لها في أساليبها وسلوكها. وبالتالي، لم تتمكن هذه القوى من تقديم نموذج سياسي متمايز عندما وصلت إلى السلطة.

مأزق الإسلام السياسي الشيعي

بدأت أزمات الإسلام السياسي الشيعي في العراق مع انخراطه في العملية السياسية عام 2003. إذ لم يتمكن من إسقاط نظام صدام حسين بالوسائل التي طالما رفع شعاراتها في المعارضة، بل جاءت فرصته نتيجة التدخل العسكري الأمريكي. ورغم عدم فرض أسلمة الدولة بشكل كامل، فقد ساهمت هذه القوى في صياغة النظام السياسي الجديد، حيث تسربت بعض أفكارها إلى الدستور والقوانين.

أما على المستوى العملي، فقد اعتمدت على شعارات طائفية لإقناع الجمهور بأنها المدافع عن حقوق “المكون الأكبر”. ومع الوقت، أصبحت هذه القوى تُعرف باستئثارها بالسلطة والهيمنة، بعيدًا عن شعارات العدالة الاجتماعية التي رفعتها سابقًا. وكما يقول كنعان مكية في كتابه “جمهورية الخوف”: “ضحايا القسوة والظلم ليسوا أفضل من معذبيهم، بل ينتظرون تبادل الأدوار معهم”.

غياب المراجعة الفكرية

حتى اليوم، لم تقم أحزاب الإسلام السياسي الشيعي بمراجعة فكرية جادة، مما يكشف عن أزمة تجديد عميقة. فرغم خطابها الداعي إلى الديمقراطية والدستور، لم تقدم نموذجًا فكريًا يتناسب مع الواقع السياسي العراقي بعد 2003. ظلت أفكارها محصورة في الأدبيات الإسلامية التقليدية، وعجزت عن تقديم رؤية واضحة للحكم.

من اليوتوبيا إلى البراغماتية

تنتمي أيديولوجيات الإسلام السياسي الشيعي إلى تيار “الإحيائية الإسلامية”، الذي يركز على الهوية الإسلامية وأسلمة المجتمع. لكن هذه الطروحات بقيت مجرد أحلام طوباوية، ولم تتكيف مع واقع الدولة العراقية بعد 2003. وقد أدى ذلك إلى تفضيل البراغماتية على الأيديولوجيا، في محاولة للبقاء في السلطة بأي ثمن.

مقارنة بالتجربة الإيرانية

بعد عقد من تجربة حكم الإسلام السياسي في إيران، برز تيار إصلاحي يراجع التجربة وينقدها، كما هو الحال مع شخصيات مثل محمد خاتمي وعبد الكريم سروش. أما في العراق، ورغم مرور عقدين، لم يظهر بعد تيار فكري إصلاحي يعالج الأزمات السياسية ويقدم رؤية بديلة.

ختامًا، تبقى الحاجة ملحة لتطوير فكر سياسي جديد يتجاوز أزمات الإسلام السياسي الشيعي في العراق، ويؤسس لمشروع متماسك يتصالح مع الواقع السياسي والاجتماعي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى