رئيس الحكومة العراقية إشاد بالتضحيات الأميركية ورفض لمحاولات نزع قرار الحرب والسلم من يد الدولة
المصدر: نيوزاليست
نشر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مقالاً في مجلة الشؤون الخارجية الأميركية “Foreign Affairs” تحدث فيه بلغة واضحة وجريئة عن تطلعه إلى علاقة مستدامة وعميقة مع الولايات المتحدة، وأشار إلى تضحيات الشعبين العراقي والأميركي، وقال إنهما يستحقان رؤية فوائد أكبر للعلاقة بين البلدين، وقال إنه يرفض التنازل عن حق الدولة في اتخاذ قرار الحرب والسلم، وعبّر عن رفضه لمهاجمة القوات الأميركية في العراق أو في دول الجوار، وقال إن الجماعات المسلحة في العراق نشأت بفعل الظروف المعقدة، لكن الحاجة إلى السلاح خارج الدولة تتلاشى شيئاً فشيئاً، وأن الحكومة تعمل على الوصول إلى هذه النهاية.
السوداني قال إنه حين يزور واشنطن، ويلتقي الرئيس جوزيف بايدن، منتصف نيسان الحالي، سيناقش سبل جعل العلاقات العراقية الأميركية أكثر استدامة.
وحمل المقال عنوان “يحتاج العراق إلى نوع جديد من الشراكة مع الولايات المتحدة.. الطريق إلى التعاون المستدام” وتطرق إلى دور “أصدقاء العراق، لاسيما الولايات المتحدة” في هزيمة تنظيم داعش، وأشار إلى أن القوات العراقية صارت من بين أفضل الجيوش، وهي قادرة على ملاحقة فلول التنظيم، ولذا فإن اللجان المشتركة بين البلدين اتفقت على إنهاء التحالف الدولي، والانتقال نحو علاقة تتجاوز مجرد التعاون الأمني والعسكري.
نص المقال
قبل عقدين من الزمن، ساعدت الولايات المتحدة الشعب العراقي في الإطاحة بالنظام الدكتاتوري لصدام حسين ووضع الأسس لنظام ديمقراطي، فقد تمكّن العراقيون من تذوق طعم الحرية لأول مرة، فقضى على القمع وسوء استخدام الموارد الذي كان سبباً في مشاكل ليس لبلدي فحسب، بل وأيضاً للمنطقة على نطاق أوسع.
ومنذ ذلك الحين، مرت العلاقات الأميركية العراقية بفترات صعود وهبوط، وفترات من الاشتباك وفك الارتباط، حيث كانت المواقف متقاربة أحياناً ومتوترة أحياناً أخرى، ولكن طوال الوقت، كان هناك تفاهم مشترك بين قادة البلدين على أن علاقتنا ستظل أولوية استراتيجية، مدعومة بالمصلحة المشتركة والجهود التعاونية للتغلب على الصعوبات.
لقد هزمنا الإرهاب معًا، وقد أتاح لنا التعاون الأمني إعادة بناء الجيش العراقي وقوات الأمن الفعالة، واليوم، نحتاج إلى حماية شراكتنا الاستراتيجية من خلال الانتقال بها إلى مرحلة جديدة.. مرحلة تدعم سيادة العراق واستقلاله دون التخلي عن التعاون المثمر بين بغداد وواشنطن.
في أوآخر كانون الثاني/يناير، قمنا بتشكيل اللجنة العسكرية العليا، المؤلفة من كبار المسؤولين العسكريين من كل من الولايات المتحدة والعراق، لتقييم التهديد المستمر الذي يشكله ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (المعروف أيضًا باسم داعش)، وقدرات أجهزة الأمن العراقية، والظروف التشغيلية في جميع أنحاء البلاد، وقد أدى هذا الجهد إلى اتفاق بين جميع أصحاب المصلحة على إنهاء التحالف الدولي بطريقة تدريجية ومنظمة وفق جدول زمني متفق عليه. (تم تشكيل التحالف عام 2014 لمحاربة داعش، ويضم 86 دولة، بقيادة الولايات المتحدة وبدعوة من العراق)، وللمضي قدمًا، ستقوم اللجنة العسكرية العليا بوضع خارطة طريق للعلاقات المستقبلية، بما في ذلك حضور المستشارين الأمريكيين.. إن هذه التحركات التي ستمنع تراجع علاقتنا مع الولايات المتحدة، ستسمح لنا بالانتقال إلى مرحلة جديدة من الشراكة، على أساس التعاون الذي يتجاوز مجرد الشؤون الأمنية والعسكرية.
توازن دقيق
إن العلاقات الأميركية العراقية تشكل عنصراً أساسياً في استقرار الشرق الأوسط، فضلاً عن ازدهار شعوب المنطقة. وفي السنوات الأخيرة، نشأت التوترات بين الحين والآخر بين بلدينا نتيجة للصراع مع الجماعات المسلحة التي كانت موجودة في العراق على مدى العقدين الماضيين، وقد نشأت هذه الجماعات من الظروف المعقدة التي واجهها العراق أثناء مواجهته للإرهاب، لكن شيئاً فشيئاً، ومع استعادة الأمن والاستقرار، ستختفي الحاجة إلى السلاح الخارج عن سيطرة الدولة ومؤسساتها، ونحن نعمل بشكل متظافر للوصول إلى تلك النهاية.
أمام العراق طريق طويل ومليء بالتحديات، وتدرك حكومتي موقفها الحساس والتوازن الدقيق الذي يجب عليها الحفاظ عليه بين الولايات المتحدة والجماعات التي تدخل أحياناً في صراع مباشر مع القوات الأمريكية، لكن رؤيتنا لهذا الوضع واضحة: نحن نرفض الهجمات على المصالح الأميركية في العراق أو في الدول المجاورة، وفي الوقت نفسه، نحن بحاجة إلى الوقت لإدارة التعقيدات الداخلية والتوصل إلى تفاهمات سياسية مع مختلف الأطراف، إن قرار الحرب والسلم يجب أن يكون شأناً خاصاً بالدولة، ولا يمكن لأي طرف آخر أن يطالب بهذا الحق.
وبمساعدة أصدقائه – وخاصة الولايات المتحدة – تمكن العراق من هزيمة التنظيم الإرهابي الأكثر وحشية في التاريخ الحديث، والآن، لم يتبق سوى مجموعات صغيرة من داعش؛ وتلاحقهم قواتنا الأمنية عبر الصحارى والجبال والكهوف، لكنهم لم يعودوا يشكلون تهديداً للدولة، وقد عزز هذا الصراع بشكل كبير تجربة قواتنا الأمنية، ووضعها بين أفضل الجيوش في مكافحة الإرهاب، لقد حان الوقت لطي الصفحة وإعادة توجيه مواردنا وقدراتنا من شن الحروب إلى تعزيز التنمية.
إن النصر النهائي على الإرهاب أمر بعيد المنال من دون تنمية حقيقية، بما في ذلك توفير مستوى لائق من الرعاية الصحية والتعليم وغير ذلك من الخدمات الأساسية، وهذا هو هدف البرنامج الذي طورته حكومتي وهي عازمة على تنفيذه: الدفع بالإصلاحات الاقتصادية والمالية، وتعزيز حقوق الإنسان، وتمكين المرأة، وتعزيز مبادئ الحرية والديمقراطية بشكل عام، ومن الأهمية بمكان أيضاً أن نحارب الفساد وهو الوجه الآخر للإرهاب، حيث أن تأثيره لا يقل تدميراً وأن نضمن توجيه أموال الشعب العراقي نحو أهداف ذات معنى، ويتعين علينا أيضاً أن نعمل على تنويع اقتصادنا بعيداً عن الاعتماد على النفط، حتى مع اعتبارنا ثاني أكبر دولة مصدرة للنفط في منظمة أوبك (بالإضافة إلى امتلاكنا لاحتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي). ولتحقيق هذه الغاية، نعمل على تطوير المشاريع العابرة للحدود (مثل المناطق الصناعية مع الدول المجاورة) وطريق التنمية، الذي يعمل على ربط منطقة الخليج بتركيا وأوروبا.
وكجزء من هذا الجهد، لدينا الآن فرصة لتحويل العلاقة بين العراق والولايات المتحدة من علاقة أحادية الجانب إلى علاقة شاملة. لقد حان الوقت لتفعيل كافة بنود اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة عام 2008 بين العراق والولايات المتحدة. ويذهب هذا الاتفاق إلى ما هو أبعد من مجرد الشؤون الأمنية والعسكرية، التي هيمنت على العلاقة خلال معظم العقدين الماضيين، ويتضمن شروطاً للتعاون في مجالات مثل الاقتصاد والاستثمار، والطاقة والمناخ، والزراعة والصناعة، والتكنولوجيا والتعليم.
ونظراً للتضحيات المشتركة والمتواصلة، للشعبين العراقي والأميركي فإنهما يستحقان رؤية فوائد مستمرة من هذه الشراكة. إن الاستقرار الحالي في العراق يجب أن يشجع الشركات.
الأمريكية على المشاركة في مشاريع تنموية مهمة في مجالات الطاقة، والاتصالات، والإسكان، والرعاية الصحية، والتعليم، والنقل، وغيرها.
إن حاجتنا الملحة للخبرة والتكنولوجيا الأمريكية تمتد إلى الطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر، حيث نهدف إلى تطوير قطاعات مستدامة ومتجددة. وقد أرسى اتفاق الإطار الاستراتيجي الأساس القانوني لهذه الأنشطة، ومن خلال الاستثمار فيها، يمكننا وضع العراق في مكانة تمكنه من تعزيز ديمقراطيته، وتقوية الدولة، وتعزيز سيادة القانون – وهي الركائز التي ستسمح لنا باستعادة العراق إلى رونقه التاريخي.
العراق أولاً إن المبدأ التوجيهي لعلاقاتنا الخارجية هو “العراق أولاً”، أي بناء شراكات قوية تقوم على المصالح المشتركة مع الدول الصديقة في منطقتنا وخارجها، ويعني هذا المبدأ أننا نتعامل مع كل دولة على قدم المساواة، حتى لا يتحول العراق إلى ساحة لتصفية حسابات أي جهة خارجية. ويجب التعامل مع العراق على أساس السيادة والاحترام المتبادل، وليس باعتباره وكيلاً لصراعات أخرى. ولهذا السبب أيضاً نسعى إلى استعادة دور العراق المحوري في الشرق الأوسط مستفيدين من موقعنا الاستراتيجي. ونحن نرحب بفرصة العمل مع الولايات المتحدة لنزع فتيل الأزمات وخفض التوترات في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإننا عازمون على تجنب الوقوع في صراع بين اثنين من شركائنا، إيران والولايات المتحدة. إننا نعتبر أن التهدئة الشاملة في الشرق الأوسط هي في مصلحة العراق والولايات المتحدة. ويتطلب ذلك، قبل كل شيء، إنهاء الحرب في قطاع غزة بشكل عاجل واحترام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
عندما أزور واشنطن وألتقي بالرئيس جو بايدن في 15 نيسان/أبريل، ستكون هذه فرصة لوضع الشراكة الأميركية العراقية على أساس جديد وأكثر استدامة، وستؤكد مناقشاتنا على الأهمية المستمرة لعلاقاتنا الاقتصادية، والتعاون في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، واستخدام الأدوات السياسية والدبلوماسية لنزع فتيل التوترات الإقليمية. وستظل الحرب ضد الإرهاب موضوعا مركزيا لحكومتينا.
نحن ندرك ونقدر الدور الحاسم الذي تلعبه الولايات المتحدة والأعضاء الآخرون في التحالف الدولي لمحاربة داعش في هزيمة الإرهاب. وقد ساعد هذا الدعم العراق على تحقيق الاستقرار وتحقيق خطوات كبيرة على طريق الديمقراطية وسيادة القانون وضمان احتكار الحكومة لاستخدام القوة، ومع ذلك، فإننا نعتقد أن الوقت مناسب لتصبح علاقتنا أوسع، مع الاعتراف بالقدرات المتنامية لقواتنا للدفاع عن العراق وضمان سلامة مواطنيه – والمساهمة بطرق أساسية في بناء عراق مزدهر ومستقر، وفي شكلها الجديد، يمكن لشراكتنا أن تمثل مصدراً للمنفعة المتبادلة لكلا بلدينا وقوة دافعة لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.