ضرب البرنامج النووي الإيراني: عملية خُطط لها منذ زمن طويل وهي أكبر من المتوقع.
ديفيد سانغر، إريك شميت، رونين بيرغمان
صحيفة نيويورك تايمز _ ترجمة صوفي شماس
10 تموز، 2020
بينما تحول المركز الإيراني لأجهزة الطرد المركزي النووية المتقدمة إلى أنقاض متفحمة بعد وقوع انفجار أُشيع أن إسرائيل وراءه، يبدو أن الصراع المستمر منذ فترة طويلة بين الولايات المتحدة وطهران يتصاعد إلى مرحلة خطرة يحتمل أن يتطور أكثر خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية .
تظهر صور الأقمار الصناعية الجديدة أن المنشأة المنكوبة في ناتانز أُصيبت بأضرار أكبر بكثير مما بدا الأمر عليه الأسبوع الماضي، وقال مسؤولان في المخابرات حصلا على معلومات جمعتها الولايات المتحدة وإسرائيل مؤخرا حول تقييم الأضرار التي لحقت بموقع ناتانز، إن إعادة البرنامج النووي إلى ما كان عليه قبل الانفجار قد يستغرق الإيرانيين فترة قد تمتد إلى عامين. وتقدر دراسة عامة موثوقة أنه سيستلزم قدرة إنتاج أجهزة الطرد المركزي الإيرانية عامًا أو أكثر حتى تتعافى.
من جهة أخرى، دوّى انفجار كبير آخر في البلاد في وقت مبكر من صباح الجمعة أضاء السماء في منطقة راقية في طهران، بدا وكأنه وقع في قاعدة صاروخية. لا تزال أسباب هذا الانفجار غامضة، إنما في حال ثبت أنه كان هجوما آخر، فسيوقن الإيرانيون أن هذا الانفجار يثبت مرة أخرى، أنه حتى المنشآت النووية والصاروخية التي تتمتع بأفضل حراسة قد تم اختراقها.
على الرغم من أن إيران لم تصدر أية بيانات مفصلة عن الانفجارين، إلا أن المسؤولين الغربيين يتوقعون نوعًا من الانتقام، ربما ضد القوات الأميركية أو القوات الحليفة في العراق، وربما تجديد للهجمات الإلكترونية، إذ أنه سبق لإيران في الماضي أن شنّت هجمات إلكترونية ضد مؤسسات مالية أمريكية، وكازينو لاس فيغاس الرئيسي وأحد السدود في ضواحي نيويورك، أو في الآونة الأخيرة ، ضد نظام إمدادات المياه في إسرائيل، الذي تعتبره الحكومة “البنية التحتية الحيوية”.
قارن مسؤولون مطلعون على الانفجار في ناتانز تعقيداته بالهجوم الإلكتروني المعقّد Stuxnet الذي شُنّ على المنشآت النووية الإيرانية قبل عقد، والذي تم التخطيط له لأكثر من عام. في حالة انفجار الأسبوع الماضي، تبرز نظرية أساسية وهي أنه تم زرع عبوة ناسفة في منشأة تخضع لحراسة مشددة، ربما بالقرب من خط غاز. لكن طرح بعض الخبراء أيضًا احتمال شنّ هجوم إلكتروني لتشغيل إمدادات الغاز. كما أفاد مسؤولون بأن هناك استراتيجية أميركية إسرائيلية مشتركة آخذة في التطور لشنّ سلسلة من الضربات العسكرية السرّية تهدف إلى القضاء على أبرز جنرالات الحرس الثوري الإسلامي وإبطال المنشآت النووية الإيرانية. وجاء الوصف الأكثر حدّة للاستراتيجية على لسان المبعوث الخاص لوزارة الخارجية إلى إيران الشهر الماضي، “رأينا تاريخياً أن الخجل والضعف يستجلبان المزيد من العدوان الإيراني”.
قد تكون الخطوة التالية المواجهة بسبب أربع ناقلات في طريقها الآن إلى فنزويلا تعهدت الولايات المتحدة بعدم السماح لها بنقل حمولتها من النفط الإيراني في انتهاك لعقوبات الولايات المتحدة. ويحذر المحللون من أن أسلوب التعاطي الناشئ محفوف بالمخاطر، إذ قد يؤدي على المدى الطويل إلى دفع البرنامج النووي الإيراني إلى مزيد من السرية، وبالتالي يجعل من الصعب اكتشافه. لكن على المدى القصير، يراهن المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون على أن انتقام إيران سيكون محدودا، كما فعلت بعد أن قتلت طائرة بدون طيار أميركية في كانون الثاني اللواء قاسم سليماني، أحد أهم القادة الإيرانيين. بينما عبر بعض المسؤولين الأمريكيين عن مخاوفهم من أن مقتل الجنرال سليماني سيدفع إيران إلى شنّ حرب ضد الولايات المتحدة، طمأنت مديرة الاستخبارات المركزية، جينا هاسبيل، بأن الإيرانيين سيكتفون بهجمات صاروخية محدودة ضد أهداف أميركية في العراق، الأمر الذي اتضح أنه صحيح حتى الآن، وقد يكون رد إيران المحدود حافزًا لمزيد من العمليات ضدها.
إضافة إلى ذلك، يقول بعض المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين ومحللي الأمن الدولي إن إيران قد تراهن على أن الرئيس ترامب سيخسر انتخابات تشرين الثاني المقبل وأن منافسه الديمقراطي المفترض جو بايدن سيرغب في إحياء شكل من أشكال التفاوض للوصول إلى تسوية شبيهة بالتسوية التي توصلت إليها إدارة أوباما مع طهران قبل خمس سنوات. وفي هذا الإطار، يُطرح السؤال التالي، “إن كنا مكان إيران، لماذا نعقد تسوية مع إدارة لم يتبق لها سوى بضعة أشهر”.
لكن على المدى القصير، وضع الهجوم الجديد إيران تحت “ضغوط داخلية وخارجية شديدة”، وبينما يستمر الضغط على صادراتها النفطية وجهودها لإحياء البرنامج النووي، تتعثر معاقبة ترامب على القرار الذي اتخذه في أيار 2018 بالتخلي عن اتفاق 2015، وسط الأعمال التخريبية.
من الناحية الجغرافية، إيران أكبر حجما من ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة مجتمعة. لكنها لم تتمكن قط من متابعة برنامج نووي سرّي دون أن تنكشف، أو تحمي برنامجها من التخريب. فهل هناك انشقاق أو خونة داخل النظام”؟ إذ عندما أغار الموساد على مستودع في طهران في كانون الثاني 2018، وظهرت عشرات آلاف وثائق تخطيط الأسلحة النووية التي يعود تاريخها إلى حوالي عقدين، كان من الواضح أنه حصل على مساعدة من الداخل. ربما كان مقتل الجنرال سليماني، العقل المدبّر لأعمال إيران في العراق والهجمات على الأميركيين – والذي استند أيضًا إلى معلومات استخبارية، قدّم معظمها عملاء موجودون في الموقع – أكثر تحركات ترامب العسكرية عدوانية كرئيس.
وقع انفجار ناتنز داخل مركز تجميع أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، حيث كانت إيران تبني أجهزتها الأكثر تقدمًا، والمُصممة لإنتاج كمية وقود نووي أكبر بكثير، وأسرع بكثير من الآلات القديمة المستخدمة حين قامت إيران بتفكيك معظم منشآتها بموجب اتفاقية العام 2015.
في حين تم السماح بإجراء أبحاث على هذه الآلات بموجب الاتفاقية، لم يكن من الممكن نشرها لسنوات – وكانت جهود إيران الكبيرة لإنتاجها بكميات كبيرة جهدًا طموحًا لإظهار أنها يمكن أن ترد على رفض ترامب للاتفاق عن طريق الإسراع في إنتاجها. وخلصت دراسة أجراها معهد العلوم والأمن الدولي نشرت يوم الأربعاء إلى أنه على الرغم من أن الانفجار “لا يقضي على قدرة إيران على نشر أجهزة طرد مركزي متطورة”، إلا أنه كان “انتكاسة كبيرة” ستكلّف إيران سنوات من التطور.
في مؤتمر صحفي عقده وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي يستغل دائما أي فرصة للتنديد بالحكومة الإيرانية، رفض مناقشة مسألة الانفجار مرتين.
لم يكن سرا داخل وزارة الخارجية أن السيد بومبيو، الذي عمل كأول مدير للاستخبارات في عهد ترامب، طور علاقة وثيقة مع يوسي كوهين، مدير الموساد، في قسم التجسس الخارجي الإسرائيلي. يتحادث الرجلان في كثير من الأحيان، مما يجعل من الصعب التصديق أن السيد بومبيو ليس لديه فكرة عما كان سيحدث، إن كان الأمر يتعلّق فعلا بعملية إسرائيلية. ففي الوقت نفسه الذي كانت تُشن فيه الغارة، مدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ولاية السيد كوهين لستة أشهر، وفسرها الكثيرون على أنها علامة على الأحداث التي ستقع، حيث أن السيد كوهين مخضرم في العمليات الإيرانية. لقد كان لاعباً رئيسياً في سلسلة متطورة من الضربات السيبرانية المعروفة باسم الألعاب الأولمبية التي دمرت حوالي ألف جهاز طرد مركزي عامل في ناتانز – بالقرب من موقع انفجار وحريق الأسبوع الماضي – قبل عقد من الزمان. وكقائد للموساد، أشرف على عملية الاستيلاء على الأرشيف النووي السري.
بطريقة ما، يبدو الأمر مشابه لما حدث قبل عقد من الزمن، عندما سلمت إدارة جورج دبليو بوش العمليات السيبرانية إلى إدارة أوباما، كجزء من جهد سري واسع لشلّ برنامج إيران النووي. في الوقت نفسه، كان الإسرائيليون يقتلون العلماء الإيرانيين. لم تكن الفكرة إبطاء البرنامج فحسب، بل أيضًا تقليب الإيرانيين ضد بعضهم البعض، والاشتباه باستمرار في وجود جواسيس في وسطهم. أما هذه المرة، توجد عناصر جديدة عديدة. فالرئيس ترامب لاعب لا يمكن توقع تحركاته، وكثيراً ما هدد إيران – وكثيراً ما تراجع عن ضربها. والقادة الإيرانيون الذين تفاوضوا على الاتفاق النووي في العام 2015 مع الرئيس باراك أوباما مهددون بالسجن في طهران بتهمة التساهل والتنازل كثيرا، ليكتشفوا أن واشنطن تعيد فرض العقوبات.
كان القادة العسكريون بمن فيهم وزير الدفاع مارك إسبر والجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، قلقين من التصعيد العسكري الحاد، محذرين من أنه قد يزيد من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط عندما قال ترامب إنه يأمل في تقليص عدد القوات الأميركية في المنطقة، واستشهد مسؤولو البنتاغون بنقطتين ساخنتين محتملتين على الأقل يمكن أن تجرّا القوات الأميركية إلى صدام عسكري مع إيران أو وكلاء مدعومين من إيران في منطقة الخليج الفارسي. وتركز إحداهما على ناقلات النفط، فيما أعلن المسؤولون في وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفدرالي أنهم استخدموا قانون مكافحة الإرهاب للحصول على مذكرة لضبط منتجات النفط الإيرانية على متن الناقلات الأربع المتجهة إلى فنزويلا في انتهاك فاضح للعقوبات الأميركية. وخلص المحققون إلى أن شحنة الوقود على متن السفن المملوكة من اليونان كانت أصولًا للحرس الثوري الإيراني، الذي صنفته إدارة ترامب العام الماضي كمنظمة إرهابية، وكان اللواء سليماني قائدًا لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. وفيما قال مسؤولون إن إدارات الدولة والعدل والخزانة تسعى للعمل مع الحكومة اليونانية لوقف الشحنات وتفريغ الوقود، أعلنت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة على الفور أن أي ضبط من هذا القبيل سيكون بمثابة “قرصنة”.
من جهة أخرى، يُعتقد أن سفينتين من السفن الأربع موجودتان حاليا في بحر إيجة، وأشار مسؤول عسكري أميركي إلى أن السفينتين الأخريين تتبختران في خليج عمان قبالة ساحل إيران وتخضعان لمراقبة مشدّدة. ويخشى بعض المسؤولين الأميركيين أنه إن امتثلت الناقلتان لأمر المحكمة الأميركية بالتخلي عن الوقود، فإن القوات البحرية الإيرانية يمكن أن ترفع التحدي وتنقل الوقود إلى سفينة أخرى، عندها من غير الواضح تمامًا ما ستفعله السفن الحربية التابعة للولايات المتحدة في المنطقة إن حدث ذلك.
أما النقطة الثانية الساخنة المحتملة فهي في العراق، حيث يُعتقد أن الميليشيات المدعومة من إيران مسؤولة عن سلسلة متزايدة من الهجمات الصاروخية على السفارة الأمريكية في بغداد وعلى القوات الأميركية وقوات التحالف بالقرب من مطار بغداد الدولي. فبعد وفاة الجنرال سليماني، تبادلت طهران وواشنطن ضربات متواضعة في آذار. ولكن بعد ذلك، بدا أن التوترات قد خفّت، حتى أوائل حزيران، إذ أفاد الجنرال كينيث ماكنزي جونيور، قائد القيادة المركزية للجيش، الشهر الماضي بأن هناك بداية لارتفاع الهجمات الصاروخية غير المبررة على القواعد العراقية التي تستضيف القوات الأمريكية في العراق. لكن، حتى الآن، كانت الهجمات الصاروخية الأخيرة مزعجة أكثر مما كانت مؤذية.