6 أزمات حادة يواجهها الأسد.. ولا أموال لاعادة الاعمار قبل الحل السياسي
في الوقت الذي هدأت فيه المعارك في سوريا بشكل شبه كامل، واستعاد فيه النظام قرابة 60 % من الأراضي السورية، يواجه بشار الأسد 6 أزمات حادة لن يتمكن من تجاوزها في المستقبل القريب، وستشكل عوامل ضعف له على المستويات المحلية، والعربية، والدولية.
وتعكس التصريحات الصادرة عن المسؤولين في النظام، بدءاً من الأسد نفسه وصولاً لوسائل إعلامه، إيهاماً بـ”انتهاء الأزمات الكبرى” التي يعاني منها النظام، والبدء بمرحلة التعافي واستعادة زمام الأمور التي فقدها طيلة السنوات الـ 8 الماضية، حتى في أكثر اللحظات التي وقفت فيها روسيا وإيران معه.
لكن الوقائع تشير إلى مرحلة أخرى من الأزمات المُعقدة يغرق النظام فيها أكثر فأكثر، وهي التي سترسم معالمه في المرحلة المقبلة، وستزيد من ترهله كلما طال استمرارها.
الجيش لم يعد للأسد
تمثل “المؤسسة العسكرية” إحدى أكبر المعضلات لدى الأسد، فبعد 8 سنوات من المعارك خسر فيها النظام أعداداً كبيرة من مقاتليه، وطائراته، وآلياته العسكرية، بات جيش النظام اليوم مُنهكاً، وتحول إلى ساحة تنافس بين روسيا وإيران اللتان تسعيان للهيمنة عليه بشكل كبير.
ويجد النظام نفسه حالياً أمام جيش تحكمه مصالح دول أقوى منه، فهو عالق بين مساعٍ روسية لضمان وحدة مركزية الجيش من خلال عمليات إقصاء لبعض الفرق العسكرية ودمج أخرى مع تشكيلات أكبر، وتطبيق تغييرات جذرية لإعادة بناء هيكلية القوات على غرار هيكلية “الجيش الأحمر الروسي”، وبين إيران التي تستميت للإبقاء على التشكيلات العسكرية غير النظامية، والتي تمثل المُنفذ الرئيسي لأجندتها في سوريا، وإحدى أقوى أوراق ضغطها في الملف السوري.
ولذلك يواجه النظام في الوقت الحالي أزمة ولاء داخل قطع الجيش، حيث يدين قادتها المدعومين من روسيا وإيران بالولاء لهذين البلدين، ومنذ بداية العام 2019 ظهرت هذه الأزمة بشكل واضح، من خلال الصراع الذي حصل بين “الفرقة الخامسة”، وقوات “النمر” التي تدعمها موسكو من جهة، وبين “الفرقة الرابعة” بقيادة ماهر الأسد، و”الدفاع الوطني” المدعومين من طهران من جهة أخرى.
ولن يكون الأسد قادراً بسهولة على التخلص من الحالة “الميليشياوية” التي تطغى على قوته العسكرية، فتلك الميليشيات سواء الإيرانية، أو المحلية التي تدعمها روسيا، كانت سبباً رئيسياً في بقائه بالسلطة، والثمن الذي يدفعه الأسد مقابل ذلك، أنه لا يملك السيطرة عليها جميعاً.
تنافس “الحلفاء” يضر بالأسد
وهذا التنافس الروسي الإيراني المتصاعد بشكل تدريجي، ليس مقتصراً فقط على الجانب العسكري، فكلا البلدين يسعيان إلى تقديم نفسيهما على أنهما القوى الأكثر فعالية ونفوذ في سوريا، على الأصعدة السياسية، والاقتصادية، والاستخباراتية، بل وحتى في مجال التعليم.
وحاول النظام خلال السنوات الماضية التي استعان فيها بالروس والإيرانيين، اتباع سياسة للتوفيق بين مصالح الدولتين لإرضائهما في الوقت نفسه، وإن كان قد حقق بعض النجاح في ذلك، إلا أن الأمور تبدو أنها بدأت تخرج عن سيطرته، ليجد نفسه يقترب أكثر من إيران على حساب الروس.
ويجبر استمرار هذا التنافس، الأسد على اتخاذ مواقف واضحة في ملفات حساسة بالقضية السورية، ودون شك سيرضي بذلك إحدى الدولتين لكنه سيغضب الأخرى ما سينعكس عليه سلباً.
ويميل الأسد إلى إيران في المواقف الرافض للمنطقة الآمنة شمال سوريا، ويقفان في نفس الخندق من الضربات الإسرائيلية لمواقع قواته وقوات وإيران، كما يدعم الأسد تمدد الميليشيات الإيرانية نحو الحدود مع الجولان المُحتل.
وتغاير هذه المواقف تماماً الموقف الروسي، حيث لم تعارض موسكو إقامة منطقة آمنة، وما تزال تسمح لإسرائيل باستهداف النظام وإيران، وتسعى إلى إبعاد الميليشيات الإيرانية من جنوب سوريا.
ولم تتأخر روسيا في إرسال رسالة انزعاج منها للأسد، فبعد خطابه الأخير في 17 شباط الماضي، وما أظهره الأسد من تحدٍ للدور الروسي في “اللجنة الدستورية”، تم تسريب صورة وصفها سوريون بـ”المُذلة” للأسد، وظهر فيها وهو ينتظر بوتين مع ضباطه في قاعدة حميميم للانتهاء من الكلمة التي ألقاها للجنود في القاعدة التي زارها عام 2017.
وكانت إحدى أهم الرسائل التي أرادت طهران إيصالها لروسيا، من استقبال الأسد في 25 شباط الماضي، أنها قادرة على جلبه في الوقت الذي تريده لتقديم الشكر لها، وللقول بأن روسيا لا تملك كلمة الفصل في إخراج القوات الإيرانية من سوريا.
لكن في نفس الوقت الذي كان فيه الأسد يلتقي خامنئي، والرئيس الإيراني حسن روحاني، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو في موسكو، وقد اتفق مع بوتين على تشكيل مجموعة عمل إحدى مهامها الرئيسية بحث إخراج القوات الأجنبية في سوريا.
كما أشار التوافق الروسي الإسرائيلي الذي ظهر في الزيارة الأخيرة، أن الروس لن يفعلوا شيئاً لحماية الأسد وإيران من الضربات الجوية الإسرائيلية، الأمر الذي سيزعج الأسد وطهران من موسكو، والذي ستترتب عليه نتائج عدة لاحقاً.
إعادة تأهيل الأسد
وبينما كان النظام يعيش نشوة “الانتصار” ويعتقد بأن الدول العربية والأوروبية ستتهافت لإعادة علاقاتها معه، بعدما تمكن من استعادة مساحات واسعة، واستطاع إجبار فصائل من المعارضة على الاستسلام والانضمام إليه، تباطأت عجلة إعادة التطبيع مع الأسد، إن لم تكن قد توقفت بالكامل.
وما تزال الولايات المتحدة حتى الآن مُصرة على موقفها الرافض لإعادة الأسد إلى الساحة الدولية، كذلك ما تزال دول الاتحاد الأوروبي منقسمة بشأن إعادة تأهيله، بل بدأت بعض الدول مثل ألمانيا، وفرنسا، بالتحرك القانوني ضد الأسد في مسعى لمحاسبته على الجرائم التي ارتكبها، كما تحرك مجموعة من المحامين البريطانيين نهاية الأسبوع الماضي لنفس الغرض، وقدموا قضيتين ضد الأسد في المحكمة الجنائية الدولية.
وعلى الصعيد العربي، فالاقتراب من نظام الأسد مليء بالألغام، ذلك أن جامعة الدول العربية منقسمة على نفسها بشأن عودة الأسد إليها، وبعد إعادة الإمارات والبحرين افتتاح سفارة بلديهما في دمشق، وزيارة رئيس السودان للأسد في دمشق، أوقفت واشنطن بقية المحاولات الأخرى لإعادة العلاقات مع النظام من خلال “قانون قيصر” الذي يفرض عقوبات أمريكية على كل من يحاول دعم الأسد.
وإلى جانب مواقف الدول، تواصل أقوى وسائل الإعلام الغربية نشر وبث ما يظهر جرائم نظام الأسد، لتعزيز صورته الدموية في الرأي العام العالمي، وللتأثير على الأحزاب والسياسيين الراغبين في عودة قوية للعلاقات معه.
إعادة الإعمار
تمثل هذه الأزمة رابع التحديات التي يواجهها الأسد، فهو عاجز حتى اللحظة عن إعادة بناء المناطق المُدمرة، ويُقر النظام بأنه غير قادر على تأمين ما يتطلبه “إعادة الإعمار” من تكلفة تصل إلى ما لا يقل عن 400 مليار دولار.
كذلك فإن قانون “قيصر” يقطع الطريق على أي محاولة لدعم النظام اقتصاديا وأي خطوة لإعادة إنعاشه، في وقت تُحجم فيه روسيا وإيران عن المشاركة في “إعادة الإعمار” لكون البلدين يواجهان أزمات اقتصادية تشغل ضغطاً داخلياً عليها، بالإضافة إلى أنهما تسعيان إلى كسب الربح من وراء أي مشروع اقتصادي تنفذانه في سوريا.
ولا يملك الأسد الكثير من الخيارات للخروج من هذه الأزمة، فالعقوبات الأمريكية والأوروبية ما تزال تثقل كاهله، فمنذ 2011 فرضت أمريكا، والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عقوبات على واردات من قبيل أنواع معينة من الوقود، وعلى أفراد سوريين متهمين بدعم النظام مالياً.
وزادت بروكسل من العقوبات في شهر كانون الثاني الماضي، وأصدرت المزيد من الإجراءات ضد 11 رجل أعمال، وأدت هذه العقوبات إلى جانب قانون “قيصر”، إلى أن رجال الأعمال السوريين الذين يقولون إنهم ليسوا مرتبطين بالنظام، باتوا يقلقون من أن هذه العقوبات المكلفة قد تصيب كل من يرتبط بـ”إعادة الإعمار”.
ومن غير المرجح أيضاً أن تجازف شركات البناء المتمركزة بالخليج بغضب أمريكا، ومع قلق الصين من الاستثمار، يبقى من غير الواضح من الذي سيدفع لإعادة إعمار سوريا التي يريد النظام استغلالها لصالحه.
لا عودة لـ”حضن الأسد”
ويواجه نظام الأسد أيضاً فشل آخر يتعلق بمسألة إعادة اللاجئين الذين سبق وأن أجبرهم على الخروج من بلدهم، لكنه يسعى لإعادتهم تحقيقاً لأهداف عدة.
ويرفض معظم اللاجئين البالغ عددهم قرابة 5.6 مليون الشخص العودة إلى سوريا، رغم كثرة الضغوط الممارسة عليهم والحجم الكبير للتحديات التي يواجهونها في بلدان اللجوء.
ومن بين الأهداف التي يسعى النظام وروسيا لتحقيقها من وراء إعادة اللاجئين إلى سوريا، استخدام هذا الملف كمفتاح لإعادة العلاقات العربية والأوروبية معه، وللاستفادة منه في حث الدول على ضرورة المشاركة بإعادة إعمار تشجع اللاجئين على العودة.
كما يهدف الطرفان أيضاً إلى استغلال الكتلة البشرية الهائلة بين اللاجئين، التي لو عادت سيستخدمها النظام لتقويه نفسه عسكرياً، وإبعاد مخاطر أي محاولة أممية لإجراء انتخابات رئاسية تحت رقابة صارمة، وبالطبع لن يحظى الأسد فيها بأصوات من تسبب بتهجيرهم وقتلهم.
غضب داخلي
وداخلياً يجد النظام نفسه في المناطق التي يسيطر عليها أمام احتقان شعبي غير مسبوق، سببه تدني مستوى الخدمات المعيشية، وتفشي الفساد والمحسوبيات، وهذه الظروف دفعت القاعدة الشعبية للنظام للاحتجاج ضده بشكل غير مسبوق.
ويغيب بشكل شبه كامل عن مناطق سيطرة النظام، الوقود، والغاز، والكهرباء، ويتزامن ذلك مع انهيار في القدرة الاقتصادية للسوريين، وغلاء فاحش في الأسعار، ولذلك فمنذ بداية العام 2019 تعرض النظام لأكبر موجة انتقادات من الموالين له، وعكس ذلك انهياراً في صورة “هيبة الدولة” التي عززها الأسد في الموالين له.
ولا يبدو أن النظام سيتخلص قريباً من هذه الأزمة الحادة، فطوابير السوريين الطويلة ما تزال تملئ الشوارع للحصول على إسطوانة غاز، والليرة السورية ما تزال أيضاً في تخبط ينعكس سلباً على اقتصاد النظام، فضلاً عن عجزه تأمين الكهرباء التي باتت تأتي للسوريين في مناطق سيطرة النظام لساعات معدودة في اليوم الواحد.
وتُظهر هذه الأزمات مجتمعة حجم الضعف الكبير الذي يعصف بالنظام، والذي يجعل الأسد قلقاً من القادم، خصوصاً ما إذا صحت توقعات المحللين بأن أفضل وضع للأسد سيكون مشابها لصدام حسين الذي عانى نظامه من الحصار والتضييق لسنوات طويلة قبل أن يُطاح به.
المصدر : السورية نت