الرئاسة اللبنانية تتأهب للرد على الاحتجاجات… ومخاوف من “قمع الحريات”
طوني بولس – اندبندنت العربية
يتمتع لبنان بنسبة لا بأس به من الحريات، لكن علامات مقلقة بدأت تلوح في أفق الديموقراطية اللبنانية. ففي الوقت الذي تزدهر فيه الحريات عالمياً، تشهد في لبنان انتكاسات خطيرة.
ثمة انطباع قوي يسود الناشطين في ميادين عدة، ونخباً ثقافية وقادة رأي، بأن مساحة الحريات في لبنان لا سيما حرية التعبير تضيق يوماً بعد يوم، وأن القادم لا يشي بواقع أفضل بل بمزيد من التكبيل والقيود.
جريصاتي “وزير القصر” والرقابة على الإعلام
ولعل ما “يطبخ” في قصر الرئاسة اللبنانية، بات يشي بحملة جديدة من القمع وعمليات التدجين والترغيب والترهيب ودعاوى ضد ناشطين وإعلاميين وحتى سياسيين، تُحضر في الكواليس لإسكات الأصوات المعترضة على أداء العهد الحالي، والتي تتزايد بشكل كبير مع الإخفاقات المتتالية في إدارة شؤون البلاد وفق توصيف مصادر وزارية لبنانية، مضيفة أن “منسوب المخاوف مما قد ينتظر الحريات العامة في البلاد، يرتفع بالتزامن مع الشعور بسقوط البلاد أكثر تحت قبضة حزب الله”.
وتلفت المصادر ذاتها، أن وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، يتولى شخصياً إدارة ما يعتبرونه التصدي للإشاعات الهدامة لاقتصاد البلد واجباً وطنياً، لكن تحت هذا الشعار برز خلال الساعات الأخيرة ما يشي بنوايا مبيتة لتكريس ذهنية قمع حرية.
وتشير الى أن البيان الصادر عن المكتب الإعلامي بالقصر الجمهوري، والذي يفسر بعض المواد القانونية، لا سيما المادة 209 من قانون العقوبات، والمادتين 319 و320 من القانون نفسه التي تحدد العقوبات التي تنزل بمرتكبي جرائم النيل من مكانة الدولة وتحقير مقام الرئاسة، ما فُسر على أن “العهد” يسير باتجاه استخدام بعض المواد القانونية لاستخدامها كأداة في سياسة تعليب الإعلام وتطويعه، في إطار موجّه يخدم فقط الترويج لنظريات السلطة، تحت طائل التعرض للحبس بموجب هذه المواد القانونية.
القوات اللبنانية تستنكر
من جانبه، رفض النائب عن حزب القوات اللبنانية عماد واكيم، كلام الوزير سليم جريصاتي لناحية منع تناول رئاسة الأولى وتحميلها مسؤولية الأوضاع السياسية والاقتصادية، مشيراً الى أن استخدام لغة التهديد وتخويف الناس من القضاء والردّ على صرخاتهم المعيشية بالملاحقة، أمر مرفوض وغير مقبول.
وأضاف، “لا يجب تحميل المواطن الذي يعاني الأزمة الاقتصادية مسؤولية ما آلت اليه الأمور، والانتقام منه عبر القضاء، فالمسؤول عن سوء أداء السياسات الاقتصادية هو الفريق الحاكم وأدائه السيئ، إضافة الى الفساد المستشري في مفاصل الدولة اللبنانية”.
ورأى واكيم أن محاولات القمع سقطت في لبنان منذ عهد الاحتلال السوري، وفشلت كل محاولاته حينها بخنق حرية الرأي والتعبير، مؤكداً أن محاولات استعادة النظام الأمني والدولة البوليسية ستسقط من جديد، وأي من القوى السياسية الحاكمة لن تنجح بقمع التعددية السياسية في لبنان، لافتاً إلى ضرورة الانتباه لردّات الفعل خصوصاً للطبقات الشعبية التي تُعاني ما تُعانيه.
كما طالب بالحقّ في الاطلاع على السياسات المالية العامّة بالتّحديد، والبدء بتنفيذ الإصلاحات التي تُعيد إلى اللبنانيين أمانهم الاجتماعي. واعتبر أن المواد القانونية التي تحدث عنها المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية التي على أساسها سيتم ملاحقة المعنيين، تنطبق فقط على العصابات الإجرامية المنظمة التي تقوم بأفعال تؤدي إلى النيل من الاقتصاد وتدهور السوق النقدي وتراجع الثقة بالعملة الوطنية، وليس على الأفراد والمواطنين الذين يعانون ولا يملكون سوى التعبير عن الرأي والتظاهر وسيلة لإسماع صوتهم وألمهم.
مصادر الرئاسة تبرر
في المقابل، اعتبرت مصادر مقربة من الرئاسة اللبنانية، أن التظاهرات الأخيرة التي حصلت في بيروت وعدد من المناطق الأخرى مفتعلة، وتستهدف الضغط على رئاسة الجمهورية، مشيرة إلى أنها رصدت اتصالات هاتفية من خارج البلاد ببعض المتظاهرين الفاعلين في تلميح إلى دور خارجي بافتعال أزمة “شح الدولار” في الأسواق اللبنانية.
وتبرر المصادر بعض الإجراءات التي تتخذها الرئاسة بأنها لردع الحملات المبرمجة لإفشال عهد الرئيس ميشال عون وليس لقمع الحريات العامة، معتبرة أن ملاحقة المسيئين لرئاسة الجمهورية ومطلقي الشائعات التي تعرض الأمن الاقتصادي للخطر منصوص عليها في القانون وليست إجراءات مخالفة للقوانين المرعية الإجراء.
خروج عن نصوص الدستور
وتتخوف مصادر حقوقية لبنانية من التعاميم الأخيرة لرئاسة الجمهورية، واضعة تلك التفسيرات والاجتهادات حول النصوص القانونية في إطار الاستخدام السياسي للنص القانوني وليس روح القانون التي تعبر عن الأهداف الأساسية التي أراد المشرع الوصول إليها، مشيرة إلى تعارض هذه التعاميم مع المادة 13 من الدستور اللبناني التي تنص صراحة على أن حرية إبداء الرأي قولا وكتابة وحرية الطباعة وحرية الاجتماع وحرية تأليف الجمعيات كلها مكفولة ضمن دائرة القانون”.
تحدي موازنة العام 2020
وترى مصادر اقتصادية، أن المعالجة الجدية للأزمة الراهنة في لبنان، تبدأ بمحاسبة المتسببين بالهدر والفساد وانتهاج منهجية علمية، وتضمن الموازنة العام 2020 إجراءات إصلاحية وفق المعايير المناسبة محلياً والمطلوبة دولياً، والاستفادة من الفرصة الأخيرة لوكالة التصنيف “موديز” التي أعطتها للبنان حيث وضعت تصنيف الاقتصاد اللبناني قيد المراقبة وفي اتجاه التخفيض خلال ثلاثة أشهر، قبل أن تقوم بتقييم أداء الحكومة ومدى التزامها بإقرار موازنة العام 2020.
واعتبرت أن يتم تداوله عن إمكانية رفع الضريبة على القيمة المضافة، إضافة إلى ضرائب أخرى، مؤشر سلبي وغير إصلاحي، حيث إن أي موازنة لا تتضمن إجراءات لخفض التهرب الضريبي ومشكلة الكهرباء في لبنان لا يمكن اعتبارها إصلاحية ستؤدي إلى تراجع إضافي بالثقة والتصنيف الائتماني.