تحت المجهر

المسيحيون من العراق إلى سوريا ولبنان: المسار نفسه… الجريمة نفسها

بقلم تادي عواد

في زمن حكم نظام صدام حسين (السنّي) في العراق، كان عدد المسيحيين يقارب 1.8 مليون نسمة، من الكلدان والآشوريين والسريان.
وقد حافظوا على وجودهم التاريخي الذي يمتد إلى أكثر من سبعة آلاف سنة؛ لم يكونوا ضيفًا ولا أقلية خائفة، بل شركاء أصيلين في الدولة، يتبوّؤون أرفع المناصب الرسمية في الإدارة والاقتصاد والجيش والثقافة.
لم يكن المسيحي العراقي مطاردًا ولا مهجَّرًا ولا مطلوبًا على الهوية؛ كان مواطنًا كامل الحقوق، محميًا بالدولة لا مستباحًا من الميليشيات.ثم جاء

الغزو الأميركي… وانفلات الوحش

خرج أتباع نظام الخميني إلى الشوارع، يهتفون بلا مواربة: «ماكو ولي إلّا علي… ونريد قائد جعفري».
شعار لم يكن دينيًا بريئًا، بل إعلانًا صريحًا لإلغاء العراق المتنوّع، واستبداله بدولة طائفية قائمة على الإقصاء والانتقام.
وجاء حكم الجعفري، ومعه بدأت المرحلة السوداء. تهديد منظَّم، قتل على الهوية، تهجير قسري للمسيحيين والسنَّة معًا.
لم يكن الأمر فوضى، بل مشروعًا متكاملاً.اليوم، وبعد أقل من عقدين، لم يبقَ من مسيحيي العراق سوى نحو 250 ألف إنسان.
أكثر من مليون ونصف شُطِبوا من الجغرافيا، ومن الذاكرة، ومن الدولة.

ولم تتوقف الجريمة عند التهجير؛ فالميليشيات الجعفرية، ومعها البلطجي ريان الكلداني، استولوا على 36 ألف عقار ومنزل مملوك للمسيحيين – أملاك مسجّلة رسميًا في الدوائر العقارية العراقية، لا نزاع قانوني عليها سوى سلاح الميليشيا.
بل وصل الانحطاط إلى حدّ طرد البطريرك لويس ساكو من بغداد.

هذا النموذج نفسه تكرَّر حرفيًا في سوريا خلال حقبة الطاغية الأسد، ويتكرَّر اليوم في لبنان، بعد أن دخل الإيراني على الخط، حاملاً مشروعًا واحدًا لا يتغيَّر: سلاح خارج الدولة، طائفة فوق الدولة، ودويلات ميليشياوية على أنقاض الأوطان.
النتيجة دائمًا واحدة. مسيحيون يهاجرون، سنَّة يُقمعون، دولة تُفرَّغ، وسلاح يتمدَّد.

ثم يخرجون علينا مستغربين، متباكين، متفاجئين: «لماذا تطالبون بنزع سلاحنا؟»
لأنَّ سلاحكم لم يحمِ يومًا وطنًا، بل دمَّر أوطانًا كاملة.
لأنَّه حيثما وُجِد هذا السلاح، اختفت الدولة، وهُجِّر الإنسان، ومات التنوُّع.
ومن لا يريد أن يرى لبنان نسخة أخرى من العراق، ولا سوريا ثانية، لا يملك ترف المجاملة ولا رفاهية الصمت.
نزع هذا السلاح ليس كراهية… بل ضرورة وجودية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى