حين يتحوّل الأمن الصحي إلى لعبة بأيدي الحمقى

بقلم تادي عواد
إذا صحّ الخبر المتداول عن ابتزاز صاحب شركة “تنورين” من قبل ناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي بالتعاون مع موظف في وزارة الصحة، فإن ما جرى لا يُعدّ مجرّد حادثة عابرة، بل فضيحة مدوّية تهزّ الثقة بواحدة من أهم مؤسسات الدولة. فهنا لم نعد أمام خطأ إداري أو التباس تقني، بل أمام جريمة مكتملة الأركان: ابتزاز، وتشهير، وتلاعب بفحوص مخبرية، وإساءة استعمال سلطة عامة.
بحسب مصدر في جمعية الصناعيين لـصحيفة “النهار”، فإن المؤثرة المذكورة طلبت من صاحب شركة “تنورين” مبلغ 100 ألف دولار تحت عنوان “مساهمة في حملة إعلانية” لصالح الشركة. وعندما رفض الأخير، تعاونت الناشطة مع موظف في وزارة الصحة لإجراء فحوص عبوات من مياه “تنورين” في مختبر لا يستوفي الشروط القانونية المطلوبة.
هذه الحادثة، إذا تأكدت، تعني أن سمعة شركة وطنية لبنانية كبرى كانت على وشك أن تُسحق فقط لأن أحدهم قرر أن يبتزّها أو يبتزّ مالكها!
الخطير في القضية أن وزير الصحة نزار هاني، اعترف بنفسه بأنه وقّع التقرير من دون الاطلاع على تفاصيله. هذه العبارة وحدها كافية لإقالة وزير فوراً، لأنها تعني أن قرارات مصيرية تمسّ الأمن الصحي والاقتصاد الوطني تُتخذ بـ”الوكالة” ومن دون تدقيق. فهل يُعقل أن يوقّع وزير على تقرير لم يقرأه؟ هل الدولة أصبحت تُدار على طريقة “وقّع وامشِ”؟
ثم جاء بيان وزارة الصحة كـ”تراجع مرتبك” عن القرار، معلناً انتظار فحوص مخبرية جديدة، علماً أن الجهة الوحيدة المخوّلة قانوناً بإجراء تلك الفحوص هي معهد البحوث الصناعية، وليس أي مختبر خاص أو تابع لموظف متعاون مع مؤثرة تبحث عن الشهرة!
إن هيبة الدولة وسمعة مؤسساتها لا يمكن أن تكون رهينة جهل أو طمع أو نزوة من موظف أو مؤثرة.
وإذا صحّ هذا الخبر، فإن المطلوب سجن الناشطة والموظف فوراً، وإقالة الوزير المسؤول عن هذا التخبط الفاضح، لأن أرزاق الناس وسمعة الشركات ليست لعبة بيد الحمقى.
لبنان الذي يصارع للبقاء وسط أزماته الاقتصادية لا يحتمل فضائح من هذا النوع. فالقضاء العادل وحده كفيل بإعادة الثقة، لا بيانات التبرير ولا التصريحات الفارغة.