تحت المجهر

عودة حزب القوات اللبنانية: من المحنة إلى الريادة السياسية

بقلم تادي عواد

شهد حزب القوات اللبنانية واحدة من أقسى التجارب السياسية في تاريخ لبنان الحديث، بدءًا من حملة الاجتثاث التي تعرّض لها في تسعينيات القرن الماضي، مرورًا بسجن قائده سمير جعجع، وصولًا إلى عودته القوية إلى الحياة السياسية من بوابة الانتخابات الديمقراطية. ورغم الحرب الإعلامية والسياسية التي شنّها عليه “محور الممانعة”، عاد الحزب ليُحقق نتائج بارزة في الانتخابات البلدية والنيابية، ويُقدّم نموذجًا استثنائيًا في الحوكمة والنزاهة، بشهادات الخصوم قبل الحلفاء.

مرحلة المحنة: سجن القائد وحل الحزب

في عام 1994، سُجن قائد الحزب الدكتور سمير جعجع بعد اتهامات ذات طابع سياسي، ترافقت مع قرار رسمي بحل الحزب، في محاولة لإقصائه من الحياة السياسية خدمةً للوصاية السورية. وقد اعتُبر هذا الإجراء، من قبل كثيرين، انتهاكًا صارخًا للعدالة والديمقراطية، ومحاولة لإسكات الصوت المسيحي السيادي.

زمن العودة: النهوض من تحت الرماد

مع خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005، بدأ حزب القوات اللبنانية بإعادة تنظيم صفوفه، مستعيدًا قوته السياسية والشعبية تدريجيًا. وعاد الدكتور جعجع إلى قيادة الحزب، مؤسسًا مرحلة جديدة عنوانها الانفتاح، السيادة، والإصلاح، في إطار مشروع 14 آذار.

الإنجازات البلدية والنيابية: نتائج تفوق التوقعات

خلال الانتخابات البلدية والنيابية بين عامي 2010 و2022، حقق الحزب نجاحات ملحوظة، خاصة في مناطق مثل بشري، جبيل، كسروان، والمتن، وتمكّن من التحول من حزب ممنوع من العمل السياسي إلى قوة نيابية وبلدية فاعلة. ففي الانتخابات النيابية لعام 2022، حصد الحزب 19 نائبًا، ليُصبح الكتلة المسيحية الأكبر في البرلمان.

نموذج النزاهة والإدارة: وزراء فوق الشبهات

من أبرز نقاط قوة الحزب كانت في أداء وزرائه، الذين قدّموا مثالًا نادرًا في العمل الحكومي النزيه:

وزير الشؤون الاجتماعية، بيار بو عاصي، أدار ملفات دقيقة بحرفية عالية ونال احترامًا واسعًا، حتى من خصومه.

وزير العمل، كميل أبو سليمان، نفّذ إصلاحات جذرية في سوق العمل اللبناني بشفافية.

وأكّد عدد من المراقبين أن وزراء القوات لم تطلهم أي شبهات مالية، وهو أمر نادر في الحكومات اللبنانية.

شهادات الخصوم: نزاهة تُفرض بالواقع

رغم التباينات السياسية، أقرّ عدد من الشخصيات اللبنانية بنزاهة وزراء الحزب:

النائب بلال عبد الله (اللقاء الديمقراطي) صرّح:
“قد نختلف سياسيًا، لكن وزراء القوات أثبتوا كفاءة ونزاهة، وهم من القلائل الذين لم يرتبطوا بالمحاصصات.”

النائب ميشال ضاهر قال في مقابلة تلفزيونية:
“لم أسمع أن لوزراء القوات أي علاقة بالصفقات التي نخرت الدولة، وهذا يُحسب لهم.”

رئيس الحكومة الأسبق تمام سلام أشار إلى التزام وزراء القوات بالعمل المؤسساتي، مؤكدًا أنهم “ساهموا في تعزيز الثقة بالدولة.”

حتى رئيس مجلس النواب نبيه بري، في جلسة مغلقة عام 2019 بحسب تقارير صحفية، قال:
“وزراء القوات نظاف، ما بيلفّوا ويدوروا.”

التحديات والمسؤوليات المقبلة

رغم النجاح السياسي، تبقى التحديات جسيمة أمام حزب القوات اللبنانية، في ظل الانهيار الاقتصادي، وانعدام سيادة الدولة بسبب السلاح غير الشرعي. إلا أن رصيده الشعبي وسمعته النظيفة يعززان موقعه كقوة قادرة على حمل مشروع التغيير وإنقاذ الجمهورية.

خاتمة

تجربة القوات اللبنانية تمثّل قصة صمود سياسي نادر. من حزب محلول وقائد مسجون، إلى حزب نزيه يحوز احترام الحلفاء والخصوم، ويقود مشروع دولة حقيقية. وفي زمن الانهيارات، يبقى الأمل بأن يتحول هذا النموذج إلى قاعدة لمستقبل لبنان السيادي والنظيف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى