عودة الابن الشاطر: قراءة في المشهد السياسي اللبناني
بقلم تادي عواد
عندما نتأمل في مثل “عودة الابن الشاطر”، يمكننا أن نستخلص عبرًا تتجاوز الحكاية الروحية لتلمس الواقع السياسي. في السياق اللبناني، يمكن استخدام هذا المثل كعدسة رمزية لتحليل تحول جبران باسيل وتياره السياسي (التيار الوطني الحر) نحو العودة إلى مبادئه التاريخية المعادية للاحتلال وهيمنة القرار الخارجي على الدولة اللبنانية. هذه العودة قد تتجلى بترشيح الدكتور سمير جعجع لرئاسة الجمهورية، في خطوة تبدو كأنها “عودة الابن الشاطر” إلى خطه الأصلي.
التيار الوطني الحر: من المواجهة إلى التحالفات
نشأ التيار الوطني الحر بقيادة الجنرال ميشال عون كحركة سياسية ذات هوية واضحة: مقاومة الاحتلال السوري واستعادة القرار اللبناني الحر. إلا أن تحولات ما بعد عودة الجنرال من المنفى ودخوله الحياة السياسية الرسمية أدت إلى تحالفات غير متوقعة، أبرزها التحالف مع حزب الله من خلال توقيع اتفاق مار مخايل. هذه الخطوة أثارت تساؤلات حول مدى التزام التيار بمبادئه الأصلية.
مع مرور الوقت، بدا أن هذا التحالف أثر على استقلالية التيار ودفعه إلى مواقف أقرب إلى تكريس الهيمنة الإيرانية على القرار الوطني، مما أثار استياء شريحة واسعة من قدامى التيار الذين كانوا يرون في التيار رمزًا للسيادة.
“رجع إلى نفسه”: التحول المرتقب
“رجع الابن الضال إلى نفسه” عندما أدرك سوء حاله وقرر العودة إلى أبيه. وبالمثل، يمكننا أن نقرأ خطوة جبران باسيل باتجاه تبني خيار ترشيح الدكتور سمير جعجع على أنها لحظة مراجعة ذاتية واعتراف ضمني بأن الخط السياسي الحالي قد أضعف التيار وأبعده عن جذوره.
ترشيح جعجع، الذي يمثل تاريخيًا رمزًا للمقاومة ضد الاحتلال السوري وقائدًا في مسار سيادي، هدفه بناء دولة قوية، قد يبدو كخطوة رمزية للعودة إلى الأسس التي قام عليها التيار الوطني الحر.
المصالحة مع الذات السياسية
كما احتفل الأب في مثل الابن الشاطر بعودة ابنه الضال، قد يرى اللبنانيون في هذا التحول فرصة للاحتفال بالمصالحة الوطنية بين القوى السيادية. وإذا كان باسيل يسعى من خلال هذه الخطوة إلى استعادة مكانة تياره، فإن نجاح هذا المسار يعتمد على مدى صدق التوجه ومدى استعداده لتحمل تبعات هذه العودة.
العودة ليست اعتذار، بل هي مسار يتطلب التزامًا حقيقيًا بمبادئ جديدة (أو مجددة). وإذا ما كان ترشيح سمير جعجع يعكس نية حقيقية لدى باسيل في العودة إلى خطه السيادي، فإنها ستكون فرصة لإعادة ترتيب البيت اللبناني ومواجهة التحديات المشتركة بروح المسؤولية الوطنية.
ختامًا، يبقى السؤال: هل ستشهد الساحة اللبنانية عودة الابن الشاطر بمعناها الحقيقي، أم أن الأمر مجرد مناورة سياسية في زمن التحولات؟ الأيام وحدها ستكشف الحقيقة.