الصراع القادم مع حزب الله – الجزء الأول
بقلم سيث جي جونز ودانييل بايمان وألكسندر بالمر ورايلي مكابي
مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية
آذار 2024 – ترجمة صوفي شماس
على الرغم من أن الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة استحوذت على اهتمام العالم، إلا أن هناك خطر جدّي لنشوب حرب بين إسرائيل وحزب الله، وفقاً لتقييم جديد أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. منذ 7 تشرين الأول 2023، وقع أكثر من 4400 هجوم صاروخي وقذائف صاروخية وغيرها من الهجمات المواجهة من قبل إسرائيل وحزب الله. ووفق تحليل مركز الدراسات، انتهك حزب الله مراراً وتكراراً قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 من خلال نشر القوات وإطلاق صواريخ موجهة مضادة للدبابات وغيرها من الأسلحة ضد إسرائيل من المنطقة الواقعة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني. تحتاج الولايات المتحدة إلى تكثيف مشاركتها الدبلوماسية لمنع ما يمكن أن يصبح حرباً أوسع نطاقاً وأكثر عنفاً في الشرق الأوسط.
بعد فترة وجيزة من الهجمات التي شنتها حماس في جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023، كادت إسرائيل أن تشن حربًا وقائية ضد حزب الله في جنوب لبنان. قدرت المخابرات الإسرائيلية أن مقاتلي حزب الله كانوا على وشك عبور الحدود إلى شمال إسرائيل كجزء من هجوم متعدد المحاور. ونشرت قوات الدفاع الإسرائيلية طائرات مقاتلة في انتظار الأوامر لضرب أهداف في لبنان. ويبدو أن المسؤولين الإسرائيليين أبلغوا البيت الأبيض صباح يوم 11 تشرين الأول 2023 أنهم يفكرون في توجيه ضربات وقائية وطلبوا الدعم الأمريكي.
لكن كبار المسؤولين الأمريكيين، بما في ذلك الرئيس جو بايدن، رفضوا ذلك، إذ ساورهم القلق من أن تؤدي الضربات الإسرائيلية في لبنان إلى إثارة حرب إقليمية دون داعٍ، وشكّكوا في المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية التي تفيد بأن هجوماً وشيكاً سيقع.
ورغم أن إسرائيل لم تشن حرباً وقائية، إلا أن احتمال نشوب صراع بين إسرائيل وحزب الله يلوح في الأفق في المنطقة. تواجه إسرائيل معضلة، فهي قد تخاطر وتعلن الحرب على حزب الله، ولكن من شأن هذه الحرب أن توسع نطاق القتال على نحو يجعل الحرب الحالية في غزة تبدو وكأنها مجرد غبار بسيط. ويمكن لإسرائيل أيضاً أن تنتظر، وتتجنب الحرب الآن مع حزب الله، لكن هذا قد يؤدي إلى خطر نشوب صراع أكثر خطورة في المستقبل مع عدو أكثر تسليحاً وقدرة، وبالتالي يستطيع أن يتحكم في توقيت الحرب لصالحه.
ما هي العوامل التي تشكل احتمالية الحرب؟ ما هي قدرات حزب الله اليوم؟ ما هي خيارات إسرائيل؟ ما هي الخيارات المتاحة للولايات المتحدة للتخفيف من حدة الحرب أو منعها؟
للإجابة على هذه الأسئلة، يجمع هذا التحليل بيانات عن الضربات الإسرائيلية وضربات حزب الله على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية السورية، ويحدد الموقع الجغرافي لهجمات حزب الله ضد إسرائيل في المنطقة الواقعة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، ويفحص صور الأقمار الصناعية للضربات الإسرائيلية ضد أهداف حزب الله. كما يقيّم القدرات العسكرية لحزب الله، بما في ذلك جمع البيانات عن مخزون حزب الله الذي يتراوح بين 120 ألف إلى 200 ألف صاروخ باليستي موجّه قصير المدى، وصواريخ باليستية قصيرة ومتوسطة المدى غير موجّهة، وصواريخ قصيرة وطويلة المدى غير موجّهة.
يقدم التحليل ثلاث حجج رئيسية. أولاً، تدهور الوضع الأمني بشكل كبير في الأشهر الأخيرة لعدة أسباب: هجمات 7 تشرين الأول أدت إلى زيادة عميقة في انعدام الأمن الإسرائيلي؛ وأدى تهجير أكثر من 150 ألف مدني على جانبي الحدود الإسرائيلية اللبنانية إلى خلق ضغوط متزايدة، وخاصة في إسرائيل، لتغيير الوضع الأمني حتى يتمكن المدنيون من العودة؛ يواصل حزب الله والجماعات المرتبطة بإيران في لبنان وسوريا تخزين الأسلحة الاحتياطية التي يمكن أن تضرب إسرائيل؛ ويواصل حزب الله انتهاك قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، وقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى خلق وضع متفجر في الشرق الأوسط المتوتر بالفعل.
ثانياً، بدأ العنف بين إسرائيل وحزب الله بالتصاعد بعد حوالي عقدين من الصراع على مستوى منخفض. منذ 7 تشرين الأول، وقع أكثر من 4 آلاف حادث عنف تركزت حول الخط الأزرق ومرتفعات الجولان شملت إسرائيل وحزب الله. إضافة إلى ذلك، يشير تحليل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى أن صواريخ حزب الله الموجّهة المضادة للدبابات أصابت القوات الإسرائيلية من مواقع إطلاق مخفية على بعد أقل من خمسة كيلومترات من الخط الأزرق في 17 مناسبة على الأقل منذ 7 تشرين الأول، وهو انتهاك واضح لقرار مجلس الأمن رقم 1701.
ثالثاً، تحتاج الولايات المتحدة إلى زيادة الجهود الدبلوماسية لمنع نشوب حرب شاملة ستكون مدمرة لكل من لبنان وإسرائيل وتشعل حريقاً أوسع نطاقاً في منطقة قابلة للاشتعال بالفعل، بما في ذلك إثارة المزيد من الهجمات على القوات الأميركية.
المشهد الأمني المتغيّر
حاربت إسرائيل حزب الله مراراً وتكراراً منذ تأسيس الحزب في أوائل الثمانينيات. والحقيقة أن حزب الله عرّف نفسه منذ البداية بأنه معارض لإسرائيل وكرّس نفسه لطرد إسرائيل من لبنان، ونجح في إجبار الجيش الإسرائيلي على الانسحاب من لبنان في العام 2000. وفي هذه العملية، نفذ حزب الله مجموعة من الهجمات الإرهابية ضد إسرائيل في جميع أنحاء العالم.
وعلى الرغم من انسحاب إسرائيل من لبنان، واصل حزب الله هجماته بين الحين والآخر على إسرائيل، بذريعة احتلال إسرائيل لمزارع شبعا، وهي منطقة صغيرة تقع عند تقاطع الحدود اللبنانية السورية الإسرائيلية. ادعى حزب الله أن مزارع شبعا هي أرض لبنانية، وبالتالي فإن الاحتلال الإسرائيلي مستمر، على الرغم من استنتاج الأمم المتحدة أن مزارع شبعا سورية وأن إسرائيل قامت بإجلاء قواتها من لبنان بالكامل.
ومن مناطق النزاع الأخرى قرية الغجر الواقعة إلى غرب مزارع شبعا والتي تقسمها الحدود الإسرائيلية اللبنانية. ويحمل سكانها الجنسيتين اللبنانية والإسرائيلية. على مدى سنوات، كان هناك سياج يقسم قرية الغجر، لكن القوات الإسرائيلية أعادت احتلال قرية الغجر بأكملها في العام 2006، ولا تزال تسيطر عليها حتى اليوم.
وتحول الصراع منخفض المستوى بين إسرائيل وحزب الله إلى حرب شاملة في العام 2006 وأسفرت عن مقتل أكثر من 100 إسرائيلي ونحو 500 مقاتل من حزب الله، فضلاً عن تدمير لبنان. ومن المرجح أن حزب الله لم يتوقع أن تؤدي عمليته إلى إشعال حرب شاملة، وأعلن زعيم حزب الله حسن نصر الله في وقت لاحق أنه لم يكن لينفذ العملية لو كان يعلم أن الحرب ستقع. على الرغم من أن خسارة حزب الله كانت أكبر بكثير من حيث القتلى، إلا أن بعض الإسرائيليين اعتبروا الحرب كارثة بسبب العدد الكبير من الإسرائيليين الذين قُتلوا.
انتهت حرب 2006 بصدور قرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي أنشأ منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني على طول حدود إسرائيل ولبنان وسوريا. ووفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1701، يجب أن تكون المنطقة الواقعة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من المسلحين والأسلحة باستثناء تلك التابعة للحكومة اللبنانية واليونيفيل.
بعد عام 2006، ساد الردع غير المستقر. وكانت إسرائيل من حين إلى آخر تهاجم مقاتلي حزب الله وشحنات الأسلحة الإيرانية المتجهة إلى حزب الله وجماعات أخرى في سوريا. ومع ذلك، كانت الحدود في معظمها هي الأكثر هدوءًا منذ عقود، حيث حرص الجانبان على تجنب حرب شاملة أخرى.
لكن الوضع اليوم حساس لعدة أسباب. أولاً، أدت هجمات 7 تشرين الأول إلى زيادة انعدام الأمن الإسرائيلي بشكل كبير. ومن الصعب على معظم الغرباء أن يفهموا بشكل كامل التأثير النفسي والصدمة الناجمة عن الهجمات الإرهابية. فوجئت إسرائيل في 6 تشرين الأول 1973، عندما شنّت مصر وسوريا هجوما على القوات الإسرائيلية في سيناء ومرتفعات الجولان. لكن ان يوم 7 تشرين الأول 2024، إلى حد كبير هجومًا مفاجئًا أدى إلى مقتل مدنيين إسرائيليين، بما في ذلك نساء وأطفال وكبار في السن، وتضمن العديد من الفظائع والعنف الجنسي، تم تصوير الكثير منها بالفيديو. في الواقع، كان هذا ثالث أكثر الهجمات الإرهابية فتكًا في جميع أنحاء العالم منذ أن بدأت جامعة ميريلاند في جمع بيانات الإرهاب في العام 1970، وعلى أساس نصيب الفرد، كان أكثر فتكًا بـ15 مرة من الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة في 11 أيلول 2001. كما أكد الإسرائيليون أن أجهزتهم الاستخباراتية وقواتهم العسكرية فشلت في 7 تشرين الأول، وشعروا أنهم لم يعد بإمكانهم الاعتماد على الردع نظرًا لفشله ضد حماس في 7 تشرين الأول.
كان لهذه الهجمات أثر نفسي على الإسرائيليين. فقد أدت الهجمات إلى مستويات أعلى بشكل ملحوظ من اضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب، واضطراب القلق العام بين مختلف المواطنين الإسرائيليين. وبالتالي، يجب اعتبار هذه الهجمات بمثابة حدث صدمة جماعية تؤثر على نسبة غير مسبوقة من سكان الدول. كما تراجعت الصحة العاطفية للإسرائيليين بعد الهجوم، حيث قالت أغلبية قياسية إنهم عانوا من مستويات أعلى من المعتاد من القلق، والتوتر، والحزن. ونتيجة لذلك، فمن المرجح أن تتغيّر قدرة إسرائيل على تحمل المخاطر. فإن كانت حماس، الأقل تسليحاً وتدريباً من حزب الله، قادرة على قتل أكثر من ألف و100 إسرائيلي بوحشية، فما الذي قد يفعله حزب الله الأكثر قوة؟ وتعزز علاقة حزب الله الوثيقة مع إيران وعلاقاته مع حماس هذا الخوف.
يشمل الحدّ من المخاطر التي يشكلها حزب الله ضمان عدم تواجد قوات الرضوان النخبوية التابعة لحزب الله على حدود إسرائيل، كما كانت قبل 7 تشرين الأول 2023. وترغب إسرائيل أيضًا في فرض قيود على أسلحة حزب الله وغيرها من القيود الأكثر اتساعًا، رغم أنها تدرك أن هذا غير مرجح. ويعلن المسؤولون الإسرائيليون أنهم يفضلون الحل الدبلوماسي، لكنهم يحذّرون من أنه “سيتعين علينا أن نتصرف بمفردنا” في حالة فشل الدبلوماسية.
ثانيًا، إضافة إلى زيادة شعور إسرائيل بعدم الأمان، أدت تداعيات هجوم 7 تشرين الأول والاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل إلى نزوح أكثر من 150 ألف شخص على جانبي الحدود الإسرائيلية اللبنانية منذ تشرين الأول 2023، بما في ذلك حوالي 80 ألف مدني من شمال إسرائيل، و75 ألف من جنوب لبنان. بالنسبة إلى إسرائيل، ستتطلب إعادة توطين النازحين داخليًا في منازلهم وقراهم في شمال إسرائيل خلق وضمان بيئة أمنية غير موجودة حاليًا، إذ يحتاج القادة الإسرائيليون إلى إقناع شعبهم بأن أجهزة الاستخبارات يمكنها هذه المرة توقّع أي هجوم وأن الجيش قادر على إيقافه، وهي مهمة صعبة نظراً لقدرات حزب الله ومهمة أصعب بكثير بسبب تشويه سمعة المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين في 7 تشرين الأول. ووفقاً لأفيغدور ليبرمان، وزير المالية السابق الذي يقود حزباً معارضاً، كانت الحكومة الإسرائيلية ضعيفة في الشمال: “أصبح الخط الأحمر راية بيضاء – استسلمت حكومة الحرب لحزب الله وخسرت الشمال”.
ثالثاً، قام حزب الله بتحسين جيشه بشكل كبير منذ العام 2006 وقام بتخزين أكثر من 120 ألف قطعة سلاح في لبنان وسوريا. ومع نشاط الشركاء الإيرانيين والقوات الوكيلة في لبنان وسوريا والعراق ودول أخرى في جميع أنحاء المنطقة، فإن التهديد القادم من الشمال قد يزداد سوءًا مع مرور الوقت.
رابعاً، انتهك حزب الله مراراً وتكراراً قرار مجلس الأمن رقم 1701 من خلال تمركز قواته في المنطقة الواقعة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، وأحياناً تحت غطاء المنظمة غير الحكومية المزيفة “أخضر بلا حدود”.
تشير اللقطات التي تم تحديد موقعها الجغرافي من مقاطع الفيديو الدعائية لحزب الله إلى أن صواريخ حزب الله المضادة للدبابات قد ضربت القوات الإسرائيلية من مواقع إطلاق مخفية على بعد أقل من خمسة كيلومترات من الخط الأزرق في 17 مناسبة على الأقل منذ 7 تشرين الأول، وهذا انتهاك واضح لقرار مجلس الأمن رقم 1701، وقُتل ما لا يقل عن سبعة مدنيين إسرائيليين وحوالي 10 جنود من جيش الدفاع الإسرائيلي في الهجمات. وقد لعبت الصواريخ المضادة للدبابات دورًا رئيسيًا في حرب العام 2006، والتي تسببت خلالها في غالبية خسائر المشاة الإسرائيليين، بما في ذلك خسارة 24 من أفراد طاقم الدبابة واختراق حوالي 20 دبابة.
لم يكن هناك قتال يذكر بين حزب الله وإسرائيل في الأشهر التي سبقت هجوم 7 تشرين الأول. لكن الأسابيع الخمسة عشر التي تلت الهجوم شهدت أكثر من 4 آلاف حادثة عنف شملت إسرائيل وحزب الله. بدأ حزب الله بشن هجمات محدودة على إسرائيل تركزت حول الخط الأزرق، كوسيلة لإظهار التضامن مع حماس، وأدى ذلك إلى رد فعل إسرائيلي كانت نتيجته انتقام دموي. كما حذر زعيم حزب الله حسن نصر الله: “إن توسّعتم، فسنتوسّع، وإن صعّدتم، فسنصعّد”.