قائد الجيش يدق ناقوس الخطر .. لن نسمح باستعادة تجربة 1975
«يا حضرات المسؤولين وين رايحين»؟ «شو ناويين تعملوا»؟ «بدكن جيش أم لا»؟ هذه بعض من أسئلة موجعة طرحها قائد الجيش العماد جوزاف عون في الاجتماع الذي عقده في اليرزة مع أركان القيادة وقادة الوحدات الكبرى والأفواج المستقلة في حضور أعضاء المجلس العسكري.
قائد الجيش لم يكتفِ بطرح الأسئلة، فهو أطلق نار الحقائق في وجه المسؤولين، عرض الوقائع وطرح الأجوبة الحاسمة. صرخ محذرًا: الوضع خطير، خطير جدًا، وفنّد أسباب الخطورة ومواضعها.
في صيف 2018 ومن متحف فؤاد شهاب، أطلق العماد عون صرخة مدوّية في وجه من ينذر سلوكهم بتطويق المؤسسة العسكرية بهدف إضعافها، فقال: «لن نستكين». اليوم فعلها مجددًا وإنما بنبرةٍ أشد حدة وبصراحةٍ ما بعدها صراحة. كانت نبرته وهو يتحدث إلى الضباط مشبعة بالغضب الذي يسري في شرايين الوطن، وبالقهر الذي يعانيه المواطن والعسكري على السواء.
تحدّث «بالعربي المشبرح» فالأمور وصلت إلى موضع بات الصمت فيه جريمة، وهذا ما أكّده: «ما بقى فينا نضل ساكتين». أوضح أنّه يعرف حق المعرفة الهدف من وراء شن الحملات ضد الجيش، حملات إعلامية وسياسية تهدف إلى تطويع المؤسسة العسكرية، لكنّ قائدها جزم: هذا لم يحصل ولن يحصل في أيامي. وجزم أيضًا أنّ الجيش سيظل متماسكًا ولن يسمح بتكرار ما حصل في العام 1975. وإذ ثمّن حكمة الضباط وصبرهم في التعامل مع الأوضاع التي جعلتهم في مواجهة شعبهم، أكّد ثقته بأنّهم سيتمكنون من جعل المرحلة المقبلة تمر بخيرٍ كما فعلوا لغاية الآن على الرغم من التحديات الكثيرة. كما شدد على أنّ الجيش حريص على حرية التعبير السلمي وحرية الرأي، من دون أن يعني ذلك التساهل مع الاعتداء على الممتلكات أو محاولات تخريب الاستقرار.
العماد عون تناول ما يُثار حول موضوع التهريب عبر الحدود موجّهًا دعوة مفتوحة إلى المسؤولين في مختلف المواقع لزيارة هذه الحدود التي يتحدثون عنها وهم لم يصلوا يومًا إليها. كما تناول المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي لترسيم الحدود داعيًا السلطة السياسية إلى القيام بواجباتها في هذا المجال.
وفي النهاية أكّد مرارًا وتكرارًا أنّ الجيش على الرغم من كل شيء سيواصل تحمّل مسؤولياته والقيام بواجبه، انطلاقًا من قناعاته الوطنية وإيمانه برسالته المقدسة ودعم الشعب له وثقته به، فهو المؤسسة الوحيدة التي ما زالت تعمل على الرغم من كل الظروف.
كلمة العماد عون تشكّل سابقة في تاريخ المؤسسة العسكرية، وتعكس مدى الخطر الذي يتعرض له وطننا، وفي الوقت عينه مدى إصرار هذه المؤسسة على مواجهة المخاطر وصون الوطن.
«الجيش يواجه استحقاقات كبيرة»، تلك كانت النقطة التي انطلق منها العماد عون ليضيف: صحيح أنّ الجيش هو الصامت الأكبر الذي ينفّذ مهماته بحرفيةٍ عالية، لكن «ما فينا بقى نضل ساكتين»، فثمة أمور كثيرة تحصل وثمة حملات متواصلة على الجيش، وجميعنا نعرف أسبابها. نحن نتابع القيام بواجباتنا في ظل الوضع المتردي اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، همّنا الحفاظ على السلم الأهلي لكنّ الوضع خطير، خطير جدًا. وتابع في الموضوع ذاته:
«تعرفون أنّ البلد يعاني بسبب تداعيات الوضع الاقتصادي والأزمة السياسية. الدولار حلّق والرواتب فقدت قيمتها، الشعب يعاني الفقر والجوع، أمواله محتجزة في المصارف. ونحن كجيشٍ جزء من هذا الشعب، العسكري أيضًـا يعانـي ويجـوع».
«يا حضرات المسؤولين وين رايحين»؟
«يا حضرات المسؤولين، وين رايحين؟ شو ناويين تعملوا»؟ حذّرنا أكثر من مرة من الوضع المتفجر والنزول إلى الشارع، وها نحن نرى ما يحصل. من يخاف أن يجوع أولاده مش فارقة معو حدا. وأعاد التذكير: «نحن مع حرية التعبير السلمي التي يرعاها الدستور كما المواثيق الدولية، لكننا لسنا مع التعدي على الممتلكات العامة والخاصة، ولن نسمح لأحدٍ أن يمس بالاستقرار والسلم الأهلي».
وفي سياق حديثه عن تداعيات الوضع الاقتصادي نفى أن يكون هذا الوضع سببًا لفرار بعض العسكريين كما يُشاع، وأوضح أنّ مديرية الأفراد قامت بدراسةٍ تبيّن بنتيجتها أنّ نسبة الفرار الحالية هي نفسها النسبة التي شهدتها جميع السنوات، والفارون لديهم مشاكل في الانضباط، وفي المقابل ثمة الكثير من طلبات الاسترحام، والآلاف من طلبات التطوّع لكنّ التطويع ممنوع. وختم الكلام على هذه النقطة بالتأكيد أنّ العسكري على الرغم من الضغط الذي يعيشه بسبب تدنّي راتبه، فهو ما زال يتطلع إلى المؤسسة العسكرية التي تشكّل ضمانة له ولعائلته، خصوصًا أنّها توفّر له التقديمات الطبية، وهي الأهم بالنسبة إليه.
يريدون الجيش أم لا؟
وتناول موازنة الجيش فقال: «كل سنة يتم تخفيض موازنتنا، تم وقف التطويع والتسريح… الموازنة لا تكفينا، وهذا ما يعرفه الجميع. أريد أن أسأل: «يريدون الجيش أم لا؟ يريدون أن يظل الجيش واقفًا على رجليه أم لا؟ مطلوب من الجيش مهمات كثيرة، نحن جاهزون لتنفيذ هذه المهمات حفاظًا على بلدنا وشعبنا، لكن الأعباء كثيرة ولا تُقابل بتخفيضٍ مستمر في الموازنة، ولا بنقاشاتٍ حول التدبير رقم 3»… وأوضح: «تكلمنا كثيرًا مع المعنيين لأنّ الأمر يؤثر في معنويات العسكريين، لكن للأسف ما في نتيجة. وأقولها بالعربي المشبرح، مش فارقة معهن الجيش، مش فارقة معهن معاناة العسكر». واستطرد قائلًا: «هنا لا أستطيع إلا أن أشكر بعض النواب والمسؤولين الذين يقفون إلى جانب الجيش ويعملون على تحصيل حقوقه».
هكذا نتكيّف مع الأوضاع
كذلك توقّف العماد عون عند التدابير التي اتخذتها قيادة الجيش للتكيّف مع الأوضاع الاقتصادية الضاغطة، فذكّر بأنّها انتهجت سياسة تقشّف منذ العام 2018، يومها أعادت إلى خزانة الدولة 20 مليار ليرة. وأضاف:
مارسنا التقشّف في الطعام، فألغينا اللحوم من وجبات العسكريين، نحسم ليترًا من كل صفيحة بنزين لنتدبر أمرنا في ما خص المحروقات. خفضنا التدريبات والدورات في الخارج، حتى الملحقين العسكريين وعددهم لا يتجاوز 13 «حرمونا منهم»… في المقابل، الملحقون غير العسكريين ما زالوا موجودين. «ليش الجيش»؟ وتابع مشيرًا إلى بعض المبادرات التي اتخذتها الألوية والوحدات المنتشرة، إذ عملت على زراعة ما لديها من أراض لتؤمّن محصولًا لإطعام العسكريين، كما تم دعم بيوت الجندي لتخفيف الأعباء عنهم. وقال: نعمل على الحؤول دون تأثير سياسة التقشف في مهماتنا، لكن «ما نضحك على بعض»، إنّها تؤثّر.
أين النعيم الذي نعيشه؟
ويتابع قائد الجيش متناولًا واحدة من أقسى الاتهامات التي يسوّقها البعض ضد الجيش فيقول: «للأسف البعض يوجّه لنا الاتهامات وكأننا نعيش في نعيم، ويجب أن نوقف الهدر. أريد أن أسأل من يطلق هذا الاتهام، أين هو النعيم الذي نعيشه؟ فليقل لي وأنا أقدّمه له. الهدر أين الهدر؟ جهزنا 4 طوافات بكلفة طوافة واحدة، هذا مثل. لا نقبل الاتهامات… لا نقبل المسّ بحقوق عسكريينا سواء كانوا في الخدمة الفعلية أو في التقاعد. دمنا فداء لوطننا وأهلنا، لكن حقوقنا واجب على الدولة تجاهنا. هنا سمعنا الكثير من الانتقادات حول المساعدات التي نتلقاها. نحن نقبل هذه المساعدات من دول وجيوش صديقة وفق الأصول وبهدف الحفاظ على جهوزيتنا العملانية، ولولاها لكان الوضع أسوأ بكثير. وشكر في هذا السياق مصر وتركيا وفرنسا، كما أشار إلى مساعدات من اللبنانيين لأنّهم يحبون الجيش ويريدون دعمه.
هدف الحملات ضد الجيش
أكّد العماد عون أنّ الجيش على مسافة واحدة من الجميع لكنّه تناول الحملات التي تُشن ضده كاشفًا أنّ هدفها جعله «مطواعًا» في أيديهم، وجزم: «هذا الشيء لم يحصل ولن يحصل في أيامي. فالجيش مؤسسة لها خصوصيتها وممنوع على أي كان التدخل بشؤونها، لا في التشكيلات ولا الترقيات ولا في التطويع ولا في رسم مسار المؤسسة وسياستها، وهذا ما يزعج كثيرين لم يعد لديهم يد فيها. ضميرنا مرتاح، «ما عنا شي مخبا، كلّه معلن». كل ما نريده هو الحفاظ على المؤسسة العسكرية ووحدتها». ووجّه نصيحة إلى الضباط: لا تترددوا، «ديروا دينة الطرشا»، اعملوا بوحي ضميركم، قوموا بواجبكم تجاه البلد، هدفنا ينطلق دائمًا من شعارنا: «شرف، تضحية، وفاء».
خطر على الكيان ولكننا لن نسمح به
وتابع بالنبرة الصادقة، الصريحة والهادرة إياها: «شو هدف هالحملات»؟ الهدف ضرب الجيش وتشويه صورته، لكن لمصلحة من؟ ووجّه لمن يعنيهم الأمر تحذيرًا: «لن نسمح بأن يكون الجيش مكسر عصا، لأحدٍ أبدًا… إذا كان هدف البعض من هذه الحملات ضرب الجيش «وفرطو»، فهل يعلمون أنّ «فرط الجيش يعني فرط الكيان»؟
وأضاف: «سوف أعيدها، فرط الجيش يعني نهاية الكيان. لكن مستحيل أن نسمح بذلك، لن نسمح باستعادة تجربة 1975. نحن نتحمّل مسؤولياتنا بكل قناعة وتصميم ولن نسمح لأحدٍ بتحقيق أهدافه على حساب الجيش».
رسالة واضحة
وقال قائد الجيش: «نحن نحترم التنوّع السياسي وتعدد الآراء وحرية الإعـلام وحريـة التعبيـر، لكـنّ الحريـة مسؤوليـة، وكرامـة المؤسسـة فـوق كل اعتبـار. كرامـة كـل عسكـري وشهيـد أمانـة في عنقنـا، ولن نسمـح لأحـد أن يمسّهـا».
وفي إشارة إلى ثقل الأعباء التي يتحملها الجيش قال العماد عون: «نقوم بمهماتٍ كثيرة هي أساسًا على عاتق أجهزة أمنية أخرى. إنّ خدمة شعبنا هي شرف لنا، لكن مع الأسف نواجه حملات في الداخل بينما تأتي التناويه من الدول وقادة الجيوش الصديقة. جميعهم يطرحون علينا السؤال نفسه: كيف تستطيعون الاستمرار؟ يقولون كيف بعدكن عم تقوموا بمهماتكم؟ في الأسبوع الماضي التقيت ثلاثة مسؤولين أجانب وقد طرحوا هذا السؤال. أما جوابي فهو: بفضل عزيمة العسكر والضباط الأبطال، بفضل إرادتهم وإيمانهم بمؤسستهم ووطنهم نستمر. هذا بلدنا، هذا شعبنا»…
وثمّن قائد الجيش جهود الضباط وتضحياتهم مقدّرًا حكمتهم وصبرهم في التعامل مع الظروف الصعبة، مؤكّدًا أنّهم بذلك جنّبوا لبنان صدامات كبيرة، خصوصًا منذ أواخر العام 2019 مع انطلاق التظاهرات الشعبية. وقال: «أعلم كم لديكم من رباطة الجأش وحكمة وقدرة على ضبط الأعصاب. وضعتكم الظروف في مواجهة شعبكم، ومع أنّكم غير مدربين لمعالجة أوضاع مماثلة وقفتم إلى جانب عسكرييكم، تعبتم، صبرتم، وأظهرتم أنكم قادة حقيقيون. فالقائد الحقيقي يظهر في وقت الأزمات. بفضل حكمتكم مرت هذه المرحلة بخيرٍ وإن شاء الله الفترة الجايي بتمرق ع خير كمان»…
دعوة مفتوحة
وتناول العماد عون اتهامات البعض للجيش بالتقصير في مكافحة التهريب، فقال: «باستثناء رئيس الحكومة ووزيرة الدفاع الوطني لم أرَ مسؤولًا أو نائبًا يقوم بجولةٍ على الحدود ليطّلع على واقعها وطبيعتها». أدعوهم إلى زيارة الحدود والاطلاع على ما يقوم به الجيش، الدعوة مفتوحة»… وأضاف: «لا ندّعي أنّ حدودنا مضبوطة مئة في المئة، أصلًا ليس في العالم دولة تستطيع ضبط حدودها بالكامل. أميركا وعظمتها لم تستطع ذلك على الرغم من إقامة جدار على الحدود مع المكسيك كلفته 5 مليار دولار».
متمسكون بحقوقنا وثرواتنا الوطنية
وأطلق العماد عون صرخة أخرى مدوّية تتعلق بالمفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي حول ترسيم الحدود البحرية، فطالب السلطة السياسية بتحمّل مسؤوليتها، وقال: «دورنا تقني ومهمتنا محددة، نحن جديون إلى أبعد حد ونسعى للوصول إلى حل يحفظ حقوقنا وثرواتنا. ما طرحناه يستند إلى القوانين الدولية، وننتظر من السلطـة السياسيـة أن تقوم بواجباتها بدعم وفدنا المفاوض ومواكبتـه، أو فلتتفضـل وتقـول لنـا مـا هـو المطلـوب منّـا».
عودة إلى خطورة الوضع
في عودة إلى ما قاله في بداية حديثه بأنّ الوضع خطير جدًا، شرح العماد عون الأسباب التي تجعل الوضع الأمني غير مستقر، ما يطرح هواجس لدى قيادة الجيش. وفي طليعة هذه الأسباب الوضع الاقتصادي وانعكاساته على الوضع الاجتماعي، وهنا مكمن الخطر، فنسبة جرائم السرقة والتشليح والخطف تزداد. السبب الثاني هو الإرهاب الذي انتهى عسكريًا بعد معركة فجر الجرود لكنّه لم ينته أمنيًا وما زال الجيش يلاحق فلوله. وذكّر العماد عون في هذا السياق بالمواجهة مع خلية كفتون التي أسفرت عن استشهاد ستة عسكريين، وتفكيك خلية أخرى قوامها 20 شخصًا في عرسال منذ ما يقارب الشهر. ونّوّه بعمل مديرية المخابرات وإنجازاتها في مواجهة الإرهاب. وفي سياق متصل أعرب قائد الجيش عن خشيته من استغلال بعض الإرهابيين لمخيمات النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين.
كذلك تحدّث عن خطر العدو الإسرائيلي وتهديداته اليومية وخروقاته وسعيه إلى تخريب الاستقرار، وقال: نحن جاهزون للدفاع عن أرضنا في وجه أي اعتداء.
الكلمة الأخيرة
وفي ختام حديثه أكّد العماد عون ثقته بالضباط والعسكريين وبمحبة اللبنانيين لجيشهم وثقتهم به. وتوجّه إلى الضباط قائلًا: «أنا فخور بما تقدّمون من أجل لبنان وهو مقدس وأكبر من كل الحملات التي يفتعلها البعض ضدنا، وأكبر من مفتعليها. الشعب يحبنا ويثق بنا، وسوف نتابع التزامنا رسالتنا المقدسة: حماية وطننا وأهلنا. هذه المؤسسة هي الوحيدة «اللي بعدها واقفة وعم تشتغل على الرغم من كل الصعوبات». حافظوا على ثقتكم وإيمانكم برسالتكم، مهمـا انتقدونـا وهاجمونـا سنظـل متماسكيـن. لقـد أقسمنا على حمايـة وطننـا أيًـا كانـت الظـروف والتحديـات».
أما الكلمة الأخيرة فكانت: «بفتخر إني على رأس هالمؤسسة». يعطيكم العافية».