تحت المجهر

الفيول العراقي صفقة غامضة … هل هي منظومة فساد جديدة

طوى وزير الطاقة ريمون غجر صفحة شركة سوناتراك الجزائرية، من خلال زَفِّه خبر التقدّم في التفاوض مع العراق، لتأمين 500 ألف طن من الفيول الثقيل، كمرحلة أولى ولفترة سنة. وبالتالي، تجنيب لبنان الغرق في العتمة بعد انتهاء مفاعيل التعاقد مع الشركة الجزائرية.
على أنَّ موافقة مجلس الوزراء العراقي، لا تعني حلّ مشكلة تأمين الفيول بشكل قاطع. ذلك أن الفيول المنوي شراؤه، لا يلائم معامل الكهرباء اللبنانية، ما يستدعي معالجته خارج العراق. ومن هنا، ينطلق المسار المتعرّج والمليء بالمطبات والأفخاخ المخفية.

بداية غامضة
رَوَّجَ غجر لفكرة أن لبنان “لا يزال يتمتع بسمعة مقبولة في السوق، وليس صحيحاً أن لا أحد يريد التعامل معه، فهنالك العديد من الشركات تتعامل مع لبنان وتقدم أسعاراً جيدة. وكلما ندخل إلى السوق أكثر وبمسؤولية أكبر، كلما نتمكن من الحصول على أسعار مخفضة أكثر”.

هي حقنة إيجابية ضغط عليها غجر من قصر بعبدا، يوم الأربعاء 3 شباط، حين أطلَعَ رئيس الجمهورية ميشال عون على أجواء المفاوضات مع العراق. مؤكداً له أن كمية الفيول غير الكافية، سيتم إكمالها من خلال الشحن الفوري “Spot cargo”.
ما لم يُعره الوزير اهتماماً، هو عدم وضوح الآلية التي سيتم اعتمادها للوصول إلى خواتيم صحيحة. فكل ما يُحكى عنه حالياً، هو تصوّرات لما ستكون عليه الأمور. فالنقطة الأهم هي تحديد مسار الفيول الثقيل من العراق إلى جهة وسيطة تعالج الفيول، ثم توريد الفيول المطلوب لمعامل الطاقة نحو لبنان. فهل سيؤخذ إلى الكويت أو مصر؟ أيّ شركات ستأخذه وتنقله إلى لبنان بعد المعالجة؟ كيف ستتأمّن الاعتمادات المالية المطلوبة؟

ويقول غجر أن آلية الدفع “ليست من اختصاص وزارة الطاقة. ولدى توقيع الاتفاقية يتم التباحث بطرق آلية الدفع مع رئيس الحكومة”. إذاً، يُرتِّب غجر نفقة على الدولة من دون تأمين الاعتمادات المطلوبة في الموازنة. وهو أمر مخالف للقانون الذي يوجب تأمين الاعتماد المالي في الموازنة قبل عقد النفقة. وأيضاً هو يلتفُّ على وزارة المالية ويختصر دورها برئيس الحكومة. وهو ليس صاحب الاختصاص في بحث آلية الدفع.
وبالتالي، تُفتَح الاحتمالات على إمكانية التعاقد مع شركات تحمل الفيول إلى لبنان بواسطة البواخر التي تُشكِّل الإعجاز العلمي للفريق المسيطر على وزارة الطاقة. أما الإتيان بالفيول براً عبر سوريا، فينطوي على مخاطر أمنية وإمكانية اعتبار الولايات المتحدة الأميركية ذلك خرقاً لقانون قيصر، فيقع لبنان تحت نيران هذا القانون. فيما تأهيل أنابيب النفط التي تصل بين العراق ولبنان، ليس بالأمر السهل. والناحية المادية لكلّ هذه الاحتمالات، غير واضحة. ولربما أُريد لها أن تكون كذلك.

السبوت كارغو هي الهدف
الحلقة المفرغة التي يدور بها غجر وفريقه السياسي، تهدف إلى ضمان الإتيان بالسبوت كارغو التي يتم تسويقها كحلّ مؤقّت، تماماً كما سُوِّقَ مشروع بواخر شركة كارادينيز. وقد لفت الوزير النظر إلى أن عروضاً أتت من شركات محلية وأجنبية، فيها تحقيق وفر “بحدود نصف مليون دولار لكل شحنة سعة 35 ألف طن. أي نحن اليوم نشتري حوالى 4 شحنات في الشهر، ونوفّر مليوني دولار في الفيول A وB. وفي حال تمكنا من الاستمرار في اعتماد هذه الطريقة نتمكن من تحقيق زيادة في المنافسة، وفي عدد الشركات التي من الممكن أن تشارك في هذه العملية، ونؤمّن سوق المحروقات لمؤسسة كهرباء لبنان بشكل منتظم”.

في الواقع، يحمل التغزّل بالسبوت كارغو إدانة لوزراء الطاقة المتعاقبين، ولغجر نفسه. فإن كانت السبوت كارغو هي الحل الأمثل، ويقدّم وفراً، فأين كان الحل على مدى نحو 10 سنوات، كان خلالها غجر مستشاراً لوزراء الطاقة؟ وفي السياق، لم يوضح غجر نوعية الفيول الذي ستأتي به السبوت كارغو، ومن سيراقبه حتى لا تتكرر فضيحة الفيول المغشوش. وفي الإطار القانوني، لماذا تُجرى المناقصة في مديرية النفط بدل إدارة المناقصات؟

تشير مصادر قانونية على صلة بملف الفيول، إلى أن “هناك أمر ما يتحضَّر. فكل ما قيل حول هذا الملف ما زال بروباغندا غير واضحة”. وتضيف المصادر في حديث لـ”المدن”، أن “عملية استيراد الفيول على عدة شحنات يتم تحضير مناقصتها في إدارة المناقصات، فيما مناقصة السبوت كارغو تتم خارج الإدارة، فما هو سبب التمييز بين المناقصتين؟”.

تحدد وزارة الطاقة مسار المناقصات وفق مصالح المستفيدين داخلها، وهؤلاء يجدون مصالحهم في البواخر. ولذلك فصلت الوزارة المناقصتين، واحتفظت بنفسها لمناقصة السبوت كارغو، فيما نقلت مناقصة الشركة التي ستخلف سوناتراك إلى إدارة المناقصات، ليس حباً بالإدارة ولا رغبة في الالتزام بالقانون، وإنما حجم الفضيحة المرتبطة بالفيول المغشوش، والانتقادات الموجهة إلى الوزارة حيال تجاهلها القانون وقفزها فوق إدارة المناقصات، أحرَجَ أصحاب المصالح في الوزارة، لكنهم لم يستسلموا، فوجدوا في إحالة جزء من قضية الفيول إلى إدارة المناقصات، كتغطية لتمرير السبوت كارغو. كما أن تظهير العرض العراقي بصورة مبهرة أكثر مما هي عليه الحقيقة، فهو محفّز إضافي للاتيان بالسبوت كارغو كمكمِّل لشحنات الفيول العراقية، فيؤخذ الملف بشكله الكامل، ولا يعود هناك إمكانية لفصل الطريقتين عن بعضهما.

هي طريقة تسويق بارعة، لكنها مكشوفة لمن يريد المتابعة والتدقيق. والثابت حتى اللحظة في هذا الملف، هو كثرة تفاصيله غير الواضحة وغير المستقرة. لذلك المطلوب هو استقرار الحديث عن الملف ودخوله مرحلة التعاقد الرسمي، فحينها يمكن الركون إلى تفاصيل واضحة وموثّقة.

المصدر : المدن

Show More

Related Articles

Back to top button