عهد الترهيب: استدعاءات وتوقيفات بالعشرات في الدولة البوليسية
استدعت مخابرات الجيش الزميل أيمن شروف للتحقيق معه في ثكنة راشيا. رنّ هاتف شروف، وأراد المتصّل التعبير بخبث عما في جعبته من معلومات استخباراتية واستقصاءات. لم يشر إلى سبب الاستدعاء بل قال “بس بتجي منحكي معك، وبتطلّ على أهلك فرد مرة”!
بدا وكأنه يحاسب شروف أخلاقياً على تخلّفه في زيارة العائلة والقرية. كان ينقصه أن يخاطبه بلغة أبوية وعتاب الأخ الأكبر. الأخ الأكبر هنا، موجود. يراقبكم. يعرف أين تذهبون وأين لا تذهبون، ماذا تأكلون ومع من تتحدّثون. 1984 أورويل، عبرة وليس عاماً وأشهر. 1984، درس وليس فيلماً. 1984، نهج ونمط تسير دولتنا إليه تدريجياً. تذهب عكس التاريخ وعِبَره وحتميّاته، ولا همّ لديها لأنها مصرّة على هذا المسلك. بات اللبنانيون في دولة بوليسية، قطعوا مشارفها وحدودها بعد أنّ كرّست السلطة النمط الأمني مع الناشطين، والتضييق على الصحافيين، والتعسّف باعتقال المتظاهرين بعد سحلهم في الشارع. وتعذيبهم بالضرب والكهرباء بعد توقيفهم. لا يمكن فصل كل هذا عن الموقف السياسي العام، القائل إنّ المطلوب اليوم تعاون الجميع مع الحكومة لإنقاذ البلد، وإنْ ليس بمقدور المعترضين التعاون فليجلسوا في هامش الحياد. المطلوب أن يصمت الجميع وإلا السوط والكهرباء والاستدعاء بانتظارهم.
خطوات قانونية
لم يقصد شروف اليوم مركز التحقيق في راشيا، بل زار برفقة المحامية ديالا شحادة قصر العدل في بيروت، لتقديم شكوى لدى المدعي العام عن الاستدعاء من دون سبب أو إشارة قضائية، باعتباره استدعاءً غير قانوني، خصوصاً لجهة استدعاء صحافي إلى فرع أمني.
لكن القاضي غسان عويدات لم يكن موجوداً في مكتبه. فتوجّه الاثنان إلى المحكمة العسكرية، حيث تقدّمت شحادة إلى القضاء العسكري بطلب استفسار للمحكمة، تسأل فيه عن أسباب الاستدعاء وتبيان كامل تفاصيله القانونية. وسألت شحادة في الطلب عن وجود تكليف من القضاء لاستدعاء شروف، إن وجد، وإذا لم يكن ثمة تكليفاً قضائياً فما هي مبررات الاستدعاء، مع العلم أنه سبق للمحكمة العسكرية أنّ أكدت سابقاً أنها غير معنية بتوقيف الصحافيين. ومع العلم أيضاً أنه كان من بين آخر المقالات التي نشرها شروف، تلك المتعلّقة بمطالبة رئيس الحكومة حسان دياب إدارة الجامعة الأميركية تسديد مستحقات وظيفة لم يقم بها، وتحويل الأموال إلى الخارج. وكأن المطلوب فقط في الصحافة هو التعاون مع هذا الرجل بحجة إنقاذ البلاد، أو السكوت واتخاذ موقف حيادي منه ومن حكومته وعهده.
منظمة العفو
وللمزيد من تراكم السجل السيء للدولة اللبنانية، المنبوذة عربياً والمعزولة دولياً، وتعليقاً على ما يتعرض له الزميل شروف، أعربت منظمة العفو الدولية، في بيان لها، عن قلقها الشديد من استدعاء مخابرات الجيش اللبناني للصحافي أيمن شرّوف للتحقيق. وقال البيان: “لم يحترم الجهاز العسكري القوانين التي تنظم آلية الاستدعاء، إذ أكد شرّوف لنا أنه حاول ومحاميته مراراً الاستفهام عن سبب الاستدعاء وإشارة القضاء، بلا جدوى. وقد أجرت مخابرات الجيش اللبناني مؤخراً سلسلة استدعاءات وتوقيفات بحق ناشطين مشاركين في الاحتجاجات”. وتؤكد المنظمة “أن في هذه الممارسات انتهاك للحقّ بحرية التعبير. فلا اختصاص لمخابرات الجيش في قضايا الرأي، ويجب ألا يمثل المدنيون بشكل عام أمام جهازٍ عسكري”.
عشرات الاستدعاءات والتوقيفات
في الأسبوع الأخير تم استدعاء الناشطتين دانا سلوم وروان البتلوني إلى مخفر بعقلين، على خلفية رش واجهات المصارف في الشوف. وتم توقيف الناشطين ربيع مينا وخالد العش في الميناء في طرابلس. وتم احتجاز وتعذيب 6 ناشطين من بينهم قاصر في صيدا، إضافة إلى اعتقال كل من وضاح غنوي ومحمود مروة من المدينة نفسها. والأرقام ترتفع، إذا تشير لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين إلى أنه بلغ عدد الموقوفين نتيجة الاحتجاجات 33 ناشطاً على الأقل، هذا من دون احتساب كل من سبق ذكرهم. ويضاف كل هذا إلى توقيفات أو استدعاءات لم تظهر إلى العلن، وملاحقات فرق تدخل وكوماندوس أمنية لناشطين في حواري القرى والمدن.
موقوفون بالأسماء
وهذه أسماء بعض الموقوفين أو من تم توقيفهم، وهم ليسوا أرقاماً بل لهم أسماء ومطالب وحقوق:
فراس الغضبان، محمد العشي، محمد مالك غازي، ربيع الشمالي، زكريا العلي، وائل حمزة، نور شاهين، رامي جعيدي، حسن مداد، جورج توما، خالد صبحة، عيسى اليرموك، حسين العمري، القاصر عدي جلول، ناجي الحلو، طلال شروك، أحمد المير، شادي الزيات، محمد الرفاعي، محمد بكور، محمد أشجي، نور قصاب، هاشم شروك، شادي زيات، حسن العمري، وغيرهم.
وهذه هي الأسماء التي تمّ التداول بها بين الناشطين في مختلف المناطق اللبنانية.
“بوريفاجات” لبنانية
مسلسل الاستدعاءات الأمنية والقضائية مستمرّ بحق الصحافيين والناشطين والمناضلين، لتشمل كل من يجرؤ على معارضة السلطة. في سيناريو متكرّر في كل مرة، حين يتصل مكتب أمني بمعارضة أو معارض ليستدعيه إلى التحقيق، من دون كشف السبب أو هدف هذه الدعوة أو مبرراتها القضائية إن وجدت. المطلوب فقط جرّ هؤلاء إلى المكاتب الأمنية وإخضاعهم فيها لذلّ التحقيق، علّهم يعيدون حساباتهم السياسية خوفاً من ترهيب وضغوط. وهذه لغة كان اللبنانيون قد تعايشوا معها طوال ثلاثة عقود من الوصاية السورية. واليوم ثمة “بوريفاجات” بدل بوريفاج واحد، وعناجر بدل عنجر واحدة. كأنّ من في السلطة، أياً من كان، لم يتعلّم شيئاً من دروس الشعوب العربية وربيعها. لم يتعلم أنّ نهايات الديكتاتوريات، مهما طال غلّها وتشفّيها، ستكون مدوية ولا بد أن تحمل غلّاً وتشفياً معاكساً.
المطلوب ترهيب اللبنانيين، بشتّى الوسائل. حصل القمع والسحل، وبعدها الاستدعاءات والتوقيفات، ثم التعذيب بالضرب والكهرباء، وقد نكون مقبلين على ما هو أروع. حسين العطار، علاء أبو فخر وفواز السمّان، ثلاثة شهداء وثلاث قضايا معلّقة في الهواء. معروفة هويات القتلة، لكن لا جديد عنهم. ربما يراد أيضاً ترهيب من استشهدوا. فالترهيب لغة الديكتاتوريات، أحياءً كنا أو أمواتاً
المصدر: المدن