جلس يقرأ عليّ بعضًا من قصائده، ثمّ أخبرني عن كتابه الّذي ينجزه، وراح يوجز عليّ أراء نقّادٍ في واحد من دواوينه، ومقالات نشرتها صّحف ورقيّة، وألكترونية عن نتاجه الإبداعي.
أتت القهوة أثناء ذلك، وهممت بسكبها في الفنجان، فاستوقفني ليحلّل لي كتابًا لفلان وقصيدة لعلّان.
صببت له القهوة، ومددت بالفنجان، دون أن يتوقّف عن الإدلاء برأيه السّياسي في ما يدور في العالم، ومن حولنا.
ثمّ عرّج بعد أوّل رشفة على رأيه في تربية الأطفال، وانتقل بعد الرّشفة الثّانية إلى موقفه من الدّين وخلق البشريّة والكون، والغيب والما وراء.
ساعتان لم أتمكّن خلالهما من النّطق بكلمة.
جعلني أشعر بعجزي أمامه، وأمام سعة اطلاعه، وثقافته، وثقته برأيه وتحليله وأحكامه.
لا شعوريّاً منّي؛ أمسكت فنجان قهوتي، أَدَرْته، أدرته، لحته، ثمّ أَمَلْته لولبيًّا بأصابعي، وقلبته فوق الصّحن الصّغير.
فتح عينيه على اتّساعهما، اقتضب في تبسّمه، وقال باندهاش:
– بتعرف تبصّر؟!
-وأقرأ الكفّ، والأسماء!
– أف أف.. وخافي عني ذلك؟!
ثمّ أمسك فنجانه، وراح يحرّكه، ويلوحه، ثمّ قلبه، وهو يقول:
إجت بوقتها.. منقرأ الكفّ، أو الاسم قبل الفنجان؟!
تناولت كفّه، ورحت أقلّبها، أتابع خطوطها، وتضاريسها، وأسرق بطرف عيني من وقت لآخر ردود فعله.
فيحبس أنفاسه إذا هممت بالكلام، وأبقيت شفاهي مفتوحة، وقد أمسكت عن القول.
ثمّ تركت كفّه، وقلت:
– أعتذر لا أستطيع إخبارك بما رأيت.
اصفرّ وجهه، وتقلّصت ملامحه، وتوتّرت عروق عنقه، وراح يبتلع مع ريقه نصف الكلمة وبعض الحروف سائلاً، ملحًّا، راجيًّا أن يعرف.
ولأخفّف عنه، انتقلت إلى قراء طالعه من اسمه، فهدأ قليلًا، وأخذ يتابعني، بشيء من التّماسك.
أمسكت بالفنجان، ورحت أقرأه بانطباعاتي وفق ما ينبعث في عقلي من تلك الرّموز الّتي ارتسمت على جداره الدّاخلي.
ساد صمت، أخبرته بعده، أنّي لا أعرف شيئًا عن قراءة الكفّ، ولا الأسماء، ولا الفنجان، وأن الأمر كلّه مجرد تسلية لأصرف عنّي ثقل التّحليل والتّفكيك الّذي أسمعني خلال ساعتين.
حدث ذلك قبل سنوات ربما تجاوزت الخمس.
وإلى اليوم كلّما رآني، سألني:
– بربك أخبرني بما رأيت في كفّي!
في كلٍّ منّا فجوة، لا يمكن ملأها إلّا بشيء من الوهم والوهم.
عمر سعيد