الثّوبان/ عمر سعيد
كلّ الأثواب الّتي في محلّ الألبسة الجديدة، استفقدت ذلك الثّوب الأسود الّذي سمعت المصمّم؛ يتحدّث عنه بكلّ فخر وتقدير، وبأنّه سيكون حديث أهل الموضة كافّة:
كان صاحب عربة النّقل قد حمّل في صندوق عربته حمولتين لتاجرين متناقضين: تاجر ملابس جديدة، وتاجر ملابس مستعملة.
أثناء تنزيل المستعملة، الّتي كانت صالة عرضها قبل صالة عرض الملابس الجديدة، تناول أحد العمّال عن غير دراية الثّوب الأسود، فتمّ عرضه في صالة الملابس المستعملة إلى جانب ثوب أزرق اللّون؛ تمزّقت عروة ياقته، وتنسّل من أكمامه، وأطرافه كثير من خيوط، تدلّت تعبًا.
بدا الثّوب الأسود إلى جانب الثّوب الأزرق متكدّرًا، غير راض عن وقوفه حيث وضع.
تنحنح الثّوب الأزرق سائلاً:
أراك بحالة ممتازة، لكنّك تبدو بشبابك المتماسك على كدر!
أشاح الثّوب الأسود بوجهه محتقرًا مَنْ إلى جانبه، دون أن يعلّق على كلامه.
مرّت دقائق، فإذ بأيدي الشّارين تتناول الثّوب الأسود، ليغيب برهة، ثمّ يعاد.
أدرك الثّوب الأزرق أنّ هناك من يحاول الحصول على الثّوب الجديد، لكنّه كلّما وصل إلى صندوق الدّفع، تمت إعادته.
كان صاحب الملابس الجديدة، قد أتّصل مفيدًا: أنّ موظّفًا من قبله في الطّريق لاستعادته إلى حيث ينتمي!
اختفى الثّوب الأسود، ومرّت سنوات طوال، والثّوب الأزرق في مكانه معلّقًا، ينتظر، دون أن تمتدّ إليه يد تتفحّصه.
ذات صباح، وبعد أن فتحت أبواب صالة عرض المستعمل، أفاق الثّوب الأزرق من نومه على علاقته متأخرًا، تثاءب، ثمّ التفت إلى جانبه، فتنبّه إلى ثوب بجانبه، لم يكن قد رآه أمس. تأمّله، وتفحّصه جيّدًا، حتّى أيقن أنهما قد تقابلا من قبل.
التفت إليه سائلًا:
ألست أنت ذلك الثّوب؟!
فقاطعه الثّوب بالإيجاب.
كان قد تثقّبت أجزاؤه في أكثر من مكان، وبهت لونه الأسود القاتم، وبدا باليًا، تلطّخت أنحاؤه بالزّيت، فظهرت فيه أكثر من بقعة، ما جعله يبدو كما لو أنّه قد قضى سنواته الماضية في برميل نفايات!
صمت الثّوب الأزرق برهة، ثمّ قال:
لو أنّك ما أشحت بوجهك يوم التقينا، وتركتني أتمّ كلامي؛ لأدركت مبكّرًا ما أنت فيه الآن.
عمر سعيد