ختيار عنايا … أعتق من يعرف كيف يشعل نار الحب! (بقلم عمر سعيد)
#ختيار_عنايا
أعتق من يعرف كيف يشعل نار الحب
لا شيء هناك إلا الله والضباب والحب.
كان الوادي تحت المحبسة قد تلبد بالضباب، الذي أحاط مزار مار شربل من كل الجهات، فبدا كأنه قد انفصل عن الأرض، ليلتحق بالسماء.
حتى السماء هناك كانت مختلفة، كانت كما لو أنها حُوْت من ضباب، ابتلع الأرض، ونحن في جوفه نسبح السلام.
راح رذاذ الضباب يهطل أمطار استجابة.
يغسلنا، يتسلل أجسادنا كلما تنفسنا، فينبت الإنسان فينا إرادة من جديد.
لم يكن فينا، وبيننا، وحولنا، وفوقنا، وتحتنا إلا السلام والنقاء.
أجزم أن كل من صعد إليه أتى إليه مثلي ببقايا إنسان، بقايا حزن، بقايا أمل، بقايا رجاء، بقايا أشياء لا تحصى.
بقايا تضج بالحاجة إلى خلاص.
والشيخ المضيف الحاضر الغائب في صمته، في صفائه، وفي سجوده المحب.
يأتمُّ بإله النور، يصلي سكوته الذي لا يزاغله انشغال.
يبارك الوافدين، ويؤمّن لكل مُسْتَجدٍ دعاه.
كان نومي ثقيلاً ليل أمس، وقد أيقظني أكثر من كابوس..
كنت قلقًا من ألا أحقق هذه الزيارة.
لا أذكر أني ومذ أتيت من اسطنبول، قد بت ليلة لم أسل نفسي فيها: متى سأزور مار شربل؟!
أفقت مع الثالثة فجرًا.
لا زال الوقت باكرًا. قرأت قليلًا، ثم غفوت حتى الخامسة صباحًا، ولا زال الوقت باكرًا، لم طال هذا الليل؟!
غادرت فراشي في السابعة، أيقظت داني، فماطل في استجابته، منحته حتى التاسعة، ثم انطلقنا.
وآه كم لسعتني جمار المسافة في الطريق..
وآه كم كان يليق بياض الوصول ببياض جبل الضباب الذي دلفته، بعد حاجز الجيش..
كنا بضعة مؤمنين، وصاحب المكان، وكَفَي النور التي رفعتنا إلى الله.
شكرت، رجوت، صمتت، أسفت، ندمت، اعتذرت، خشعت، سجدت.
ثم اقتلعت جسدي وروحي من أرض، تسكنني أكثر مما أسكنها..
على أمل أن نلتقي بأنفسنا، بأرواحنا، بسلامنا، من جديد..
لتلك الأرض المقدسة أحن.
عمر_سعيد