من هنا وهناك

رحل أحمد جبريل…

نجم الهاشم – نداء الوطن

منذ عشرة أعوام تقريباً غاب أحمد جبريل عن السمع وعن الشاشة وعن الصورة وعن الأخبار. هو واحد من زمن القادة الفلسطينيين المؤسسين للمنظمات التي أطلقت العمل الفدائي والكفاح المسلح منذ منتصف الستينات، ولكنه كان مختلفاً عن الآخرين إذ إنه بقي ضابطاً في جيش النظام السوري أكثر مما كان قائداً فلسطينياً، وقاتل الفلسطينيين واللبنانيين أكثر مما قاتل إسرائيل وانغمس في الحرب اللبنانية بكل قواته، وقام بأعمال قذرة كثيرة في محطات كثيرة من الحرب.

هو من جيل الذين غابوا تباعاً عن الخريطة الفلسطينية. من ياسر عرفات ابو عمار، إلى خليل الوزير أبو جهاد، وصلاح خلف أبو إياد، إلى جورج حبش ووديع حداد، وأبو نضال وأبو العباس وغيرهم من ذاك الجيل الذي عاش قضية فلسطين، منذ نكبة 1948 إلى هزيمة 1967 وحرب لبنان واجتياح 1982 وخروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان.

لم يخرج أحمد جبريل ومنظمته الجبهة الشعبية – القيادة العامة مع منظمة التحرير. كان مع تنظيمه يقف خارج المنظمة. منذ البداية تطوع في الجيش السوري وبقي بمثابة ذلك الجندي المخلص لذاك النظام. خرج من الجيش ليؤسس تنظيم جبهة تحرير فلسطين وينضم بعدها إلى الجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش، ثم لينفصل عنها ويؤسس “القيادة العامة” التي كانت تشبه فصيلاً من الجيش السوري ولكن باسم فلسطيني رديف لجيش التحرير الفلسطيني.

ما لم يفعله النظام السوري نفذه أحمد جبريل في العام 1983 عندما تولى تغطية محاصرة ياسر عرفات في طرابلس لطرده منها، بعدما كان عاد إليها مخالفاً شروط خروجه من بيروت على متن سفينة إلى تونس. وبقواته شارك في تنفيذ القرار السوري بالدخول إلى مخيمات بيروت لوضع نهاية لحرب المخيمات في العام 1988. ولكن على رغم ذلك لم يستطع أن يثبت وجوده في أي مخيم. صحيح كانت له مراكز ولكن هذه المخيمات كانت تبقى دائماً ترفع صور عرفات.

نجح جبريل في تنفيذ عمليات محدودة ضد العدو الإسرائيلي ونجح من خلال عمليتين وأسر إسرائيليين في فرض عمليتي تبادل وهما عملية النورس عام 1979، حيث أطلق بموجبها سراح 76 أسيراً فلسطينياً مقابل إطلاق سراح جندي أسرته الجبهة، وعملية الجليل عام 1985، والتي أطلق بموجبها 1150 أسيراً فدائياً (فلسطينياً وعربياً وأجنبياً) من بينهم الشيخ أحمد ياسين، والياباني كوزو أوكاموتو، مقابل ثلاثة جنود من جيش الاحتلال.

منذ اغتيال نجله جهاد في بيروت في العام 2002 أصيب جبريل بما يشبه الصدمة. كان يعتقد أن تنظيمه بعيد عن الإختراق الإسرائيلي ولكنه أدرك أن هذا الإختراق كان قادراً على النيل من وريثه، بحيث كان يحضّره لخلافته في قيادة الجبهة. قبل عام من هذا الإغتيال لم يمانع في الحضور إلى مخيم برج البراجنة ليكون ضيفاً في حلقة من برنامج “حوار العمر”. بعد اغتيال نجله ربما تفاجأ بأن أحد أبرز مساعديه اتهم بأنه كان يعمل مع الموساد الإسرائيلي، وقد تمكن من الفرار من لبنان إلى أحدى الدول الأوروبية قبل اكتشاف أمره.

كانت قاعدته الأساسية في سوريا في مخيم اليرموك. ارتبط اسمه بمعركة السلطان يعقوب في البقاع اللبناني ضد الجيش الإسرائيلي حيث لا تزال إسرائيل تبحث عن جنود مفقودين. في ذلك المخيم خاض معارك ضد المعارضة السورية التي سيطرت على قسم منه. ولكن بعدما استعاد النظام السوري السيطرة عليه برزت إلى الواجهة مسألة تسليم رفات جندي إسرائيلي كان مفقوداً إلى الدولة اليهودية بمسعى من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بينما يتم البحث هناك عن جثة إيلي كوهين أبرز جاسوس إسرائيلي في سوريا.

أقام جبريل قاعدتين عسكريتين أساسيتين في لبنان في الناعمة جنوب بيروت وفي قوسايا في البقاع على الحدود مع سوريا. ما ميز القاعدتين هو وجود أنفاق فيهما. وقد نفذت إسرائيل عملية إنزال قوات كوماندوس في محاولة لاقتحام أنفاق الناعمة عام 1988، ولكن العملية فشلت بعد مقتل قائدها الذي كان برتبة رائد على رغم أنها استخدمت فيها كلاباً مفخخة كانت مجهزة ومدربة لتنفجر عند مداخل الأنفاق. وقد قيل وقتها أن تلك العملية كانت معدة لخطف أحمد جبريل لوجوده في تلك الأنفاق أو لقتله. وعلى رغم أن تلك الأنفاق لم يعد لها أي دور في أي مواجهة مع إسرائيل فإنها تبقى شوكة في خاصرة الأمن اللبناني.

يغيب أحمد جبريل عن المشهد ولكن أنفاقه باقية في لبنان وتاريخه سيبقى يدينه في مسار تدخله في الأحداث اللبنانية والفلسطينية كواحد من المتطوعين لخدمة النظام السوري.

Show More

Related Articles

Back to top button