لبنان

مبعوث الأمم المتحدة في بيروت: الوعود الحكومية وحدها لا تكفي لبنان

يبدو الموقف الدولي والعربي موحّداً أكثر من أي وقت حيال المأزق الاقتصادي المالي الذي يمر فيه لبنان بشكل غير مسبوق في تاريخه، وإن كان هناك بعض التباينات الطفيفة حيال أزمته السياسية المنبثقة من التحالفات التي صنعت قراره السياسي بفعل تقاطع مصالح إقليمية مع موازين داخلية طارئة على تركيبة الحكم فيه.
يجمع سفراء الدول الكبرى على أن خروج لبنان من أزمته التي أشعلت انتفاضة شعبية هي الأخرى غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية، على أن الحل بيد اللبنانيين، بعدما اعتاد سياسيوه على طلب المساعدة الخارجية من أجل معالجة اختلالات في ماليته خلال العقود الماضية، من دون أن يفوا بوعودهم بتحقيق الإصلاحات.

عبارة واحدة

“لا شيك على بياض” للسلطة اللبنانية، في انتظار إثباتها جديتها في تنفيذ إصلاحات توقف الهدر والفساد الذي نجم عن المحاصصة الطائفية والحزبية، لا سيما في السنوات القليلة الماضية. هذه هي العبارة المعممة لدى السفراء المعتمدين في بيروت.

وأوضح دليل على وحدة الموقف الدولي والعربي حيال أزمة لبنان البيان الأخير لـ”مجموعة الدعم الدولية للبنان” التي تضم إلى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي إضافة إلى ألمانيا وإيطاليا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، الذي أعقب تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة حسان دياب، إذ ذكّر بخريطة الطريق التي صدرت عن المجموعة في 11 ديسمبر (كانون الأول) 2019 في باريس، (عنوانها الإصلاح والشفافية) بعد أقل من شهرين على اندلاع الانتفاضة الشعبية واستقالة حكومة سعد الحريري، وحضره ممثلون عن دول عربية رئيسة أبرزها مصر والسعودية.

نصائح لدياب

لسان حال سفراء أعضاء المجموعة في بيروت هو ألاّ ثقة بالوعود اللبنانية الرسمية بالإصلاح، والمطلوب إجراءات ملموسة.
في موازاة ذلك، تولّى المنسق الخاص للأمم المتحدة في بيروت السفير يان كوبيش خلال الأشهر الأخيرة، تكرار رسالة أوصلها إلى كبار المسؤولين في لبنان. وتقول مصادر دبلوماسية لـ”اندبندت عربية” إنه قدم نصائح لرئيس الحكومة الجديد دياب عما يُفترض أن يتضمنه بيان الحكومة الذي يطرح الخطط الإصلاحية، تجاوباً مع المحتجين في الشارع ومع المجتمع الدولي، استناداً إلى بيانات المجموعة الأخيرة، سواء ما يتعلق بالنأي بالنفس عن أزمات المنطقة وتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي أو بالإصلاحات وبأهمية وضع جدول زمني للتنفيذ.

“اندبندنت عربية” التقت الدبلوماسي المحنك الذي خبر أزمات كالتي يعيشها لبنان، ويدرك مدى التداخل بين أزمته وبين تعقيدات المنطقة، خصوصاً أنه سبق أن عمل في العراق وانغمس في الوضع الإقليمي المتحرك.

عن حديث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قبل 3 أيام حول أهمية استقرار لبنان بالنسبة الى استقرار المنطقة وما يمكن فعله من قبل الأمم المتحدة لضمان هذا الاستقرار، يقول كوبيش إن “استقرار لبنان وأمنه بالنسبة إلى الأمم المتحدة والمنطقة والشعب اللبناني يجب أن يكون شديد الأهمية لأنه عامل إيجابي مثلما أن عدم الاستقرار عامل سلبي في منطقة صعبة وهشة تعج بالصراعات. موقف الأمين العام (أنطونيو غوتيريش) يؤكد ذلك ويؤكد التزام الأمم المتحدة العمل من أجل استقرار وأمن لبنان. ويُعدّ ذلك دليلاً مهماً يعبّر عن موقف المجتمع الدولي برمته وليس عن الأمم المتحدة فقط. وبإمكاني التأكيد على أن هذا الموقف ينبثق من اجتماعات عقدها مجلس الأمن ومجموعة الدعم الدولية للبنان”.
ويوضح كوبيش “كيف يتحقق ذلك؟ ستجدون الجواب في مواقف وقرارات مجلس الأمن ومجموعة الدعم الدولية للبنان والأمين العام، أي عبر تطبيق مجموعة من الإصلاحات المطروحة بوضوح، بسرعة وبشكل حاسم، تتناول كل الأسباب التي قادت البلد إلى هذه الأزمة الاقتصادية المالية الاجتماعية العميقة. فالمكوّن الاقتصادي الاجتماعي هو الآن القضية الأساسية لمعرفة كيفية تحقيق الاستقرار وجعل البلد أكثر أماناً أيضاً. لذلك آمل في أن تركز الحكومة في برنامجها على الاقتصاد والحاجات الاجتماعية. وأيضاً عبر وضع أهداف وخطوات ملموسة ومعايير، بشكل يمكّن من وضع الحكومة والقوى السياسية التي ستدعمها في البرلمان، تحت المحاسبة أمام الناس لجهة تنفيذها هذه الإصلاحات. هذه مسألة واجبة مهما كان البرنامج ومَن سيدعم الحكومة. آمل في أن يكون هذا هو الحال بالنسبة إلى برنامج الحكومة وخطواتها الأولى. أفترض أن نوايا البرنامج الحكومي سيتم تنفيذها بسرعة، وترجمتها إلى خطة عمل ومعايير وأهداف وجدول زمني، تسمح للشعب بمحاسبة الوفاء بالالتزامات من عدمه، لأن الكلمات والوعود ليست كافية. حصلت وعود كثيرة في برامج حكومات سابقة لكن لم يتم الوفاء بها. الآن الشفافية والمسؤولية والمساءلة باتت مهمة بشكل حاسم إزاء صدقية الحكومة”.

معالجة أزمة المصارف تبدأ من الداخل

وحول ما إذا كان المجتمع الدولي سيقدم مساعدة لمعالجة صعوبة تأمين السيولة بالعملة الصعبة التي تواجه لبنان، قبل الإصلاحات كي يتمكن من إدارة الأزمة وتفادي انهيار كامل، يقول كوبيش إن “الحال ليس كذلك الآن. وإذا كان هناك مَن يتوقع أن يقول للمجتمع الدولي بعد نيل الحكومة الثقة، نحتاج إلى مال، فإن هذا حصل سابقاً. هذه المرة قبل حصول الخطوات الأولى للحكومة والتزاماتها ووضعها أمام المساءلة وآلية الإدارة والحوكمة الرشيدة، لن تكون هناك دول كثيرة مستعدة للمجيء بشيكات على بياض. ما أسمعه هو العكس: لا شيكات على بياض. مثلاً بالنسبة إلى توفر السيولة في المصارف، فهذه مسألة أيضاً يجب أن تُعالَج من قبل البلد والحكومة والمصرف المركزي والنظام المصرفي، على أساس خطة إنقاذ واضحة تبدأ بالشفافية. هناك تكهنات كثيرة عما هي وضعية البلد وما هي احتياطات مصرف لبنان والنظام المصرفي بالعملات. لا أحد لديه إجابة واضحة حول ذلك. إذا كانت هناك رغبة بالحلول، فالبداية تكون من الشفافية، وفي فهم ما هو الوضع المحدد للبلد، ثم تحضير خطوات ضمن خطة إنقاذ شاملة مزوَدة بمخرج، ثم البدء بتطبيق الخطوات الأولى من قبل الحكومة. وعند ذلك، وفي الوقت ذاته، وليس قبل ذلك، يمكن للمسؤولين اللبنانيين أن يخاطبوا شركاءهم الدوليين لمطالبتهم بدعم تنفيذ الجزء المتعلق بالمجتمع الدولي من الخطة”.

مساعدات دولية إنسانية

وإذ كرر عبارة “لا شيكات على بياض”، أكد كوبيش أن “الاستقرار في لبنان مسألة عزيزة على المجتمع الدولي، لكن لديهم تجاربهم في الوقت ذاته. ولذلك يقع على عاتق حكومة لبنان والقوى السياسية اللبنانية أن تقنع الشعب اللبناني أولاً، ثم المجتمع الدولي، بأن ما يحصل ليس business as usual، (أي الاستمرار على النمط السابق) وأنهم يملكون جدية ورؤية وخطة وشفافية ومساءلة للجميع، وأنهم حقاً يريدون الابتعاد عن ممارسات السابق”.

لكن كوبيش حرص على التأكيد أن “المساعدات الإنسانية للبنان ستستمر. ومن الأمور التي تسعى الأمم المتحدة إلى لفت نظر الشركاء إليها هي أنه بات ضرورياً أكثر فأكثر تلبية حاجات مزيد من اللبنانيين الذين يزداد انتقالهم إلى حال الفقر. ستكون هناك تعبئة أكثر في هذا المجال، ونحن على الأقل كأمم متحدة سنقدم مساعدات أكثر للشعب اللبناني في المرحلة المقبلة. لكن هذا تعامل مع المؤشرات والنتائج فقط. البلد يحتاج إلى معالجات جذرية لأسباب هذه الأزمة الحرجة الصعبة والوجودية التي يواجهها لبنان”

كان جواب كوبيش ذا مغزى حين سُئل عما إذا لقي استجابة لترداده أمام المسؤولين اللبنانيين أن عليهم أن يستمعوا إلى المحتجين في الشارع وأخذ ما يطالبون به في الاعتبار، إذ قال “لا أعرف. بصراحة حتى الآن لا أعرف. رسالتي كانت أن يستمعوا إلى الناس، ليس فقط الذين يحتجون ويتظاهرون، بل أيضاً للذين لا يشتركون في التظاهرات لكنهم يتشاركون الهموم والحاجات والقضايا ذاتها مع الذين يتظاهرون. فقلق الناس حول ما يحصل لأموالهم في المصارف يمس الجميع وليس فقط الذين يحتجون. الجميع سئم من عدم التزود بالكهرباء 24 ساعة، والجميع ضاق ذرعاً بغياب وظائف لائقة للشباب، والجميع قلق من انزلاق مزيد من الناس إلى حال الفقر ومن انكماش شبكة الأمان الاجتماعي ومن الضمان الصحي الذي يغطي الحاجات الأساسية للناس، ومن مشاكل تأمين التعليم. هذه أمور يتشاركها الجميع وليس فقط المحتجون الذين يرفعون الصوت في شأنها”.

ويرى كوبيش بالتالي أن “الإشارات الأولى في بيان الحكومة ستكون مؤشراً أولياً لنواياها، التي يجب أن تُلحقها بخطوات ملموسة واضحة، ليس فقط في المجالات التي ذكرتها بل أيضاً في مجالات أخرى عدّة. هناك أولويات مقلقة ومنها إدارة النفايات التي كانت سبب احتجاجات عام 2016 والتي لا أعتقد أن الناس يرون تقدماً نوعياً بشأنها نحو الأفضل. هناك قضايا كثيرة على الأجندة، تحتاج إلى وضع أولويات لها، ثم إلى خطوات عملية. ومن بعدها أستطيع أن أجيب عن السؤال عما إذا كان سياسيو البلد يستمعون إلى صوت الناس، إذ يعود إلى هؤلاء السياسيين أن يدعموا برنامج الحكومة الإصلاحي أو لا. فإذا لم يدعموا برنامج الحكومة ولم يكونوا القوة المحركة له، وهذا يشمل الذين يدعمون الحكومة والذين هم في المعارضة لأن الأمر يتعلق بالبلد ككل وليس باللعبة السياسية، عندها سأتمكن من الإجابة عما إذا كانوا استمعوا إلى صوت الناس. في الوقت الحاضر، أرى فرصة فقط”.

اندبندنت العربية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى