الوقوف صفّاً واحداً مع حزب الله
لماذا لم تحظَ جولة السفراء مع وزير الخارجية جبران باسيل ـ لنفي وجود صواريخ لحزب الله في محيط مطاربيروت ـ بردود فعل في الدّاخل اللبناني أو بحماسة أو بتأييد وبتطبيل وبتزمير وبتصفيق الفرقاء اللبنانيين لها، وهذا الأمر أثار امتعاضاً بدا واضحاً بالأمس في بيان اجتماع كتلة لبنان القوي وفي أوساط رئيس التيار الوطني الحرّ؟!
ربّما على العكس، حظيت هذه الجولة بردود فعلٍ ساخرة على مواقع التواصل الإجتماعي سببها ربّما أنّها تتضمّن في ظاهرها تبرئة لحزب الله الذي يجاهر أمينه العام في كلّ خطاباته منذ العام 2006 بامتلاك ترسانة صواريخ تتجاوز الـ150 ألف صاروخ فيها الكثير من المفاجآت، فيما كثيرون اعتبروا أنّ هذه الصواريخ بالتأكيد ليست ـ على طريقة هذه الجولة التسطيحيّة والتسذجيّة لخطورة الوضع ـ معروضة في أماكن مكشوفة، ولن يتمّ التعثّر بها في جولة سفراء على ملاعب رياضيّة، خصوصاً أنّ صور الأقمار الصناعيّة المفترضة لا يُردّ عليها برؤية العين المجرّدة! فإذا لم تحترموا عقول السفراء الديبلوماسية، إحترموا عقول اللبنانيين على الأقل!
وقد يكون السبب، ربّما أيضاً، في أن هذه الجولة لم تأخذ في الاعتبار أنّ الأعمّ الأغلب من اللبنانيين حسموا أمرهم فيما يخصّ حزب الله ومحوره الإيراني، فلم يعد بالنسبة إليهم «مقاومة» لأنّه توّرط في استخدام سلاحه في الداخل اللبناني، مثلما هو متورّط في كلّ الملفّات القتالية التي تعني إيران في محاولتها للسيطرة على المنطقة وإعلانها بوقاحة أنّها تسيطر على أربع عواصم عربيّة من بيروت إلى بغداد إلى دمشق إلى صنعاء!
من الصعب جدّاً اليوم مطالبة اللبنانيّين بتحمّل أوزار حرب مدمّرة قد تنشب بين حزب الله وإسرائيل في إطار المواجهة بين الولايات المتحدّة الأميركيّة وطهران، ومن الصعب جدّاً أيضاً مطالبة اللبنانيّين الرّافضين لسياسة حزب الله الإيرانية وكل ما يترتّب عليها من تبعات على لبنان وعلى اللبنانيّين على الأقلّ في ضوء تجربتهم التضامنيّة إلى أقصى الحدود مع الحزب وبيئته خلال حرب تموز العام 2006 وما أحدثته من انشقاقات إجتماعيّة وعائليّة بسبب ردود الفعل المستفزة التي تحمّلها كثيرون أثناء العدوان، أمّا بعده فحدّث ولا حرج، فمنذ لحظة إطلالة رئيس النظام السوري بشار الأسد وخطابه الشهير عن «أنصاف الرّجال» ومطالبته بترجمة هذا الانتصار في الحكم، وما تلا هذا الخطاب «المستهجن» من إعلان أمين عام حزب الله «النصر الإلهي» من ساحة الجاموس في الضاحية الجنوبيّة، وصولاً إلى وزير الخارجيّة الإيرانيّة آنذاك منوشهر متكّي و»شآبيب الرّحمة التي هطلت في إيران بفعل انتصار حزب الله في لبنان»، وما تلا ذلك كلّه من محاصرة للسراي الحكومي والرئيس فؤاد السنيورة والسعي إلى تغيير المعادلات والاستفراد بالحكم ـ وتجربة الثلث المعطّل دليل كافٍ ـ والتي أوصلت كلّها إلى غزوة بيروت في 7 أيار.
لم ينسَ اللبنانيّون بعد كلّ هذا، فكيف يطالبون وفي لحظة يأخذون فيها موقفاً متشدّداً من تورّط حزب الله في الحرب السوريّة وفي الانقلاب على الشرعيّة في اليمن، أن يقفوا صفّاً واحداً مع حزب الله الإيراني في لبنان، وأن يدفعوا مجدداً ثمن تخزين طهران لصواريخها في لبنان باعتبار أنها صار لها حدود «ووصلت لأول مرّة في التاريخ إلى شواطىء البحر الأبيض المتوسط» من على أرضه، أليست هذه تصريحات جنرالات الحرس الثوري وشمخاني ولاريجاني وولايتي و»بطّيخ ممسمر»؟! نرجوكم؛ قليل من الاحترام لعقول اللبنانيين وذاكرتهم!
وهنا وللمفارقة، أنّ أمين عام حزب الله حسن نصرالله في خطابه في التاسع من محرّم الجاري حدّثنا عن لحظة «حسم الخيارات» وأنّه «يا مع محور أميركا وحلفائها من الأنظمة العربيّة.. يا مع إيران وحلفائها»، وعن «تحمّل المقاومة تبعات الحرب على إسرائيل حماية للدولة»، لم ننسَ بعد ـ نحن المطالبون بالوقوف صفّاً واحداً ـ كيف اصطفّ جمهور حزب الله لحظة إطلالة أمينه العام لينشد: «سيدي يا ابن الحسينِ/ نحن ابناء الخميني/ وهتفنا بالولاء/ لعلي الخامنائي/ سيدي يا ابن محمد/ هذه الأكفان تشهد/ نرتدي ثوب الفداء/ لعلي الخامنائي».. اسمحوا لنا، لن نقبل أن يكون لبنان ودولته وشعبه واقتصاده فداءً لعليّ الخامنائي ـ كما يتلفّظ بها السيّد وشعبه ـ حتى بيئة حزب الله وجمهوره لم يعد قادراً على تحمّل هذا التقتيل والموت بين أبنائهم في سبيل الخميني وعلي الخامنئي فكيف تطلبون من اللبنانيّين أن يقفوا صفّاً واحداً مع «محور إيران وحزبها في لبنان والمنطقة العربيّة»؟!
وللمناسبة أخيراً، هذه المرّة لن توضع مئات آلاف الدولارات على الطاولة عند مدخل الضاحية الجنوبيّة لزغللة أعين من تهدمّت بيوتهم وأرزاقهم ولشراء سكوتهم والتعويض عليهم، الاقتصاد والريال الإيراني انهار حتى الحضيض، وخطباء الجمعة في طهران يتحدّثون عن مخاوف انهيار نظام الخميني والخامنئي، وهذه المرّة أيضاً لن يجد لبنان دولة عربية واحدة لا السعوديّة ولا الإمارات ولا قطر حتى، لتمدّه بمليارات الدولارات وتعيد بناء كلّ ما تهدّم وتودع المليارات في البنك المركزي لدعم الاقتصاد اللبناني ومنع انهيار الليرة، فيما في بيروت يهتف حزب الله بالموت لحكّام هذه الدول، «كفانا طاووسية وكنفشة» في ادّعاء انتصارات وهميّة وإلهيّة!
ميرڤت سيوفي – الشرق