لبنان

نزع السلاح ليس تفاوضًا… بل استعادة للوطن المخطوف

بقلم تادي عواد

نزعُ سلاح حزب الله بالكامل ليس وجهة نظر سياسية، بل مطلبٌ سياديٌّ لبنانيٌّ صريح لا يحتمل التأويل. ومع ذلك، تُمعن ماكينة الحزب الإعلامية في تسويق روايةٍ مضلِّلة تزعم أنّ الولايات المتحدة «تتبنّى شروط العدوّ الإسرائيلي»، متجاهلةً أصوات اللبنانيين والحقائق التي يعرفها العالم جيّدًا: أنّ هذا التنظيم المسلّح ليس سوى ذراعٍ أمنية وعسكرية للنظام الإيراني، وأنه استباح دم اللبنانيين، واغتال قياداتهم ومفكّريهم، ودمّر مؤسسات دولتهم، وأطلق ثلاثة عقود من الترهيب والهيمنة والاغتيال السياسي.

لقد قتل حزب الله من اللبنانيين أكثر مما قتل من الإسرائيليين، وارتكب في الإقليم من الجرائم ما يكفي لإدانته أمام محاكم التاريخ والعدالة والضمير الإنساني: من مجازر سوريا وتشريد شعبها، إلى جرائم العراق، وصولًا إلى النزيف اليمني الذي شارك في تغذيته بالسلاح والمال والقتلة والمستشارين.

ورغم هذا السجلّ الدموي، لا يزال بعض المسؤولين في الدولة اللبنانية يحاولون الالتفاف على القرارات الدولية الواضحة والصريحة التي تطالب بنزع سلاح الميليشيا على كامل الأراضي اللبنانية، بلا استثناءٍ أو تبرير. فالسلاح غير الشرعي لا تتحوّل شرعيته بالشعار، ولا يُصبح وطنيًا بتكليفٍ إيراني، ولا يُمنح صفة المقاومة بمجرّد الاتجار بالمخدرات وتبييض الأموال وتهريب السلاح.

إنّ مطلب اللبنانيين اليوم ليس نزع السلاح فحسب، بل تفكيك هذا التنظيم وإنهاء وجوده العسكري والأمني، ومحاكمة قادته على سلسلةٍ طويلة من الجرائم: من اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلى جبران تويني وبيار الجميل ووليد عيدو وأنطوان غانم، وصولًا إلى الياس الحصروني ولقمان سليم، مرورًا باستهداف ضباط وقادة الأجهزة الأمنية من النقيب الشهيد سامر حنّا إلى اللواء الشهيد وسام الحسن.

لقد آن للبنان أن يتحرّر من وصاية الرصاصة، وأن يستعيد قراره الوطني من قبضة ميليشيا تتصرّف كدولة فوق الدولة، وجيش فوق الجيش، وسلطة فوق الدستور والقانون.

إنّ نزع السلاح ليس بندًا تفاوضيًا، بل لحظة تحرّر وجودي للدولة اللبنانية من سلطة الخوف، ومن احتكار قرار الحرب والسلم، ومن اقتصاد التهريب والقتل والكبتاغون. ولبنان الذي دفع دمه وسيادته وكرامته لن يقبل بعد اليوم دولةً داخل الدولة، ولا «حزبًا» يقرّر من يحكم ومن يُقتل، ومن يُحاسَب ومن يُمحيه الصمت.

إمّا دولة واحدة بجيشٍ واحدٍ وسلاحٍ واحد… وإلا خرابٌ مستدام تصنعه ميليشيات لا وطن لها ولا ولاء سوى لممولها الخارجي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى