واشنطن لن تقبل بديلا عن نزع سلاح “حزب الله”

أ ف ب – ديفيد شينكر
في الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس اللبناني جوزيف عون أن بيروت لا تعتزم نزع سلاح ميليشيا “حزب الله” الشيعية المدعومة من إيران بالقوة، في إطار سعي الدولة إلى احتكار السلاح. وأوضح عون بدلا من ذلك، أن “حزب الله” سيُقنع بالتخلي عن سلاحه طوعا عبر الحوار والمفاوضات. كما أشار إلى إمكانية دمج مقاتلي الميليشيا في الجيش اللبناني في مرحلة لاحقة.
ومن المرجح أن ترفض كل من الولايات المتحدة وإسرائيل هذه المقاربة التي تتفادى مواجهة دامية محتملة، وقد تقوض التقدم الواعد الذي أحرزه لبنان في مسعاه لاستعادة سيادته.
لا شك في أن الرئيس عون يواجه موقفا بالغ الصعوبة. فبموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 وأنهى الحرب بين “حزب الله” وإسرائيل، تعهدت الحكومة اللبنانية بتنفيذ قراري مجلس الأمن الدولي رقم 1701 و1559، اللذين ينصان على نزع سلاح جميع الميليشيات في مختلف أنحاء البلاد. من جانبه، قبل “حزب الله” على مضض فكرة خسارة أصوله في جنوب البلاد، جنوب نهر الليطاني، غير أنه رفض نزع سلاحه في المناطق الأخرى.
منذ توقيع وقف إطلاق النار في نوفمبر، تولى الجيش اللبناني تنفيذ التزاماته من خلال مصادرة أسلحة الميليشيا وتفكيك بنيتها التحتية على الحدود مع إسرائيل. إلا أن بيروت، وبسبب نقص عدد الجنود ومخاوفها من اندلاع حرب أهلية طائفية جديدة، امتنعت عن التحرك ضد ترسانة “حزب الله” شمال الليطاني.
في المقابل، وبما يتماشى مع شروط وقف إطلاق النار من وجهة النظر الإسرائيلية، تواصل إسرائيل استهداف أصول “حزب الله” وعناصره في مختلف أنحاء البلاد.
صرح مسؤولون في “الحزب” بأنهم قد يوافقون على نزع السلاح إذا انسحبت إسرائيل من الأراضي اللبنانية، وذلك في إشارة إلى خمسة تلال لا تزال تحتلها، وتوقفت عن استهداف “الحزب”
ولتفادي المواجهة المحتومة على ما يبدو مع “حزب الله”، لجأ عون إلى الأسلوب اللبناني المعتاد في التعامل مع القضايا الشائكة والمستعصية: الحوار الوطني. وقد دعا إلى إجراء “حوار ثنائي” مع “حزب الله” للتوصل إلى اتفاق بشأن نزع سلاح التنظيم.
شارك “حزب الله”، منذ عام 2005، بشكل دوري مع الحكومة اللبنانية والفصائل السياسية في حوارات تمحورت حول صياغة “استراتيجية دفاع وطني”. غير أن هذه النقاشات أثبتت عقمها، ويُعزى ذلك أساسا إلى رفض “الحزب” المستمر مناقشة التخلي عن سلاحه. كما يعود ذلك جزئيا إلى اعتياد “الحزب” اغتيال المنتقدين اللبنانيين الذين تجرأوا على اقتراح نزع سلاحه. وبناء على ما سبق، وحتى عام 2025، واصلت الحكومات المتعاقبة في بيروت الاعتراف بشرعية امتلاك الميليشيا للسلاح و”المقاومة”، وأدرجت ذلك ضمن بياناتها الوزارية.
وقد شارك “حزب الله”، في عام 2010، في عدة جولات من المحادثات. لكنه تمسك بموقفه، ولم تحرز المفاوضات أي تقدم يُذكر، وهو أمر لم يكن مفاجئا. في عام 2012، دعا الرئيس آنذاك ميشال سليمان إلى وضع سلاح “حزب الله” تحت سلطة الجيش اللبناني، غير أن “الحزب” لم يستجب لهذا الاقتراح. وفي عام 2016، أيد الرئيس ميشال عون سلاح “حزب الله” واعتبره “مكملا” للجيش اللبناني. وبعد سنوات من المحاولات الفاشلة، انهارت المفاوضات نهائيا في عام 2018 عقب إرسال “الحزب” قواته إلى سوريا لدعم نظام الأسد في مواجهة الانتفاضة الشعبية.
اليوم، يؤكد “حزب الله” استعداده مرة أخرى للمشاركة في الحوار. ووفقا للنائب عن “الحزب” إيهاب حمادة، فإن هذا الحوار سيركز على وضع “استراتيجية دفاعية” من شأنها إقناع اللبنانيين بقدرة الدولة على الدفاع عن لبنان في وجه إسرائيل. وقد صرح مسؤولون في “الحزب” بأنهم قد يوافقون على نزع السلاح إذا انسحبت إسرائيل من الأراضي اللبنانية، وذلك في إشارة إلى خمسة تلال لا تزال تحتلها، وتوقفت عن استهداف “الحزب”.
غير أن الأمين العام الحالي لـ”الحزب”، نعيم قاسم نقض هذا الموقف لاحقا، حيث صرح في 19 أبريل/نيسان بأنه “لا أحد سيسمح بنزع سلاح المقاومة”. وعلى أي حال، يشدد مسؤولو “الحزب” على أن الحوار لن يُعقد قبل إجراء الانتخابات البرلمانية المقررة في مايو/أيار 2026.
ويبدو أن “حزب الله”، كما في الحوارات الوطنية الفاشلة السابقة، يتبنى مجددا مبدأ الحوار كتكتيك للمماطلة. تدرك الولايات المتحدة وإسرائيل، إلى جانب الكثير من منتقدي “الحزب” في لبنان، أن الميليشيا، وبعد الخسائر الكبيرة التي تكبدتها في الحرب التي خاضتها اختيارا دعماً لـ”حماس”، تسعى إلى كسب الوقت لإعادة تنظيم صفوفها واستعادة قوتها.
ويحاول الرئيس عون تأجيل المواجهة المباشرة مع “حزب الله”، لكنه يرزح تحت ضغوط متزايدة. إذ تواصل مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، الضغط على عون والحكومة اللبنانية للوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق وقف إطلاق النار فيما يتعلق بـ”حزب الله”. وكما كررت مؤخرا في مقابلة مع “شبكة المؤسسة اللبنانية للإرسال” (LBCI)، فإن هذه الالتزامات “تشمل نزع سلاح (حزب الله) وجميع الميليشيات”.
مبادرة الحوار الوطني التي أطلقها عون، واقتراحه التجريبي بدمج مقاتلي “حزب الله” في صفوف الجيش اللبناني، كانا محاولة حسنة النية لدفع “الحزب” إلى تقديم تنازلات طالما امتنع عنها. ومن المؤكد أن دمج الميليشيا ضمن الجيش اللبناني شكّل الرؤية الضمنية للسياسة الأميركية تجاه “حزب الله” خلال عهد إدارة كلينتون. غير أن عون يدرك تماما أن هذه المقاربة لن تحظى بقبول إدارة ترمب.
وبالفعل، ما إن طرح الفكرة حتى سارع إلى توضيح أن دمج “حزب الله” في الجيش اللبناني لن يكون على غرار دمج قوات “الحشد الشعبي” في الجيش العراقي. فـ”الحشد”، وهو ميليشيا أخرى مدعومة من إيران، يعمل بشكل منفصل وخارج سيطرة بغداد. أما في حالة “حزب الله”، فقد أوضح عون أن عناصر الميليشيا لن يُسمح لهم بالعمل كوحدة مستقلة كما هو الحال في “الحشد”، بل سيجري تجنيدهم كأفراد ضمن المؤسسة العسكرية.
ورغم تطمينات عون، فإن هذه المقاربة- التي يحصل بموجبها عناصر “حزب الله” على تدريب عسكري رسمي مع احتفاظهم بسلاحهم- من غير المرجح أن تحقق هدف نزع السلاح. وللأسف، لم تكن هذه المبادرة مفاجئة. ففي 8 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أي قبل شهر ونيف من توقيع وقف إطلاق النار وثلاثة أشهر من انتخاب عون رئيسا، توقعت هذا السيناريو في ورقة بحثية نشرتها لصالح “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”. وكتبت آنذاك:
“لتفادي استفزاز الحزب مع إرضاء الغرب، قد تُغرى السلطات اللبنانية باللجوء إلى حل وسط يتمثل في دمج (حزب الله) في الجيش اللبناني. إلا أن هذا الخيار سيكون مرفوضا”.
لا تزال هذه الفكرة إشكالية بعد مرور سبعة أشهر. فقد التزم لبنان بنزع سلاح جميع الميليشيات وفرض احتكار الدولة للسلاح، وهو شرط أساسي إذا أرادت البلاد أن تكون دولة ذات سيادة وناجحة. وللمرة الأولى، بات تحقيق هذا الهدف ممكنا بفضل العمليات العسكرية الإسرائيلية في أكتوبر ونوفمبر 2024، التي أضعفت “حزب الله” إلى حد غير مسبوق.
كما أن دمج “الحزب” في الجيش اللبناني سيحافظ على قدراته الكامنة ويقوّض مصداقية الجيش. وتأجيل مساعي نزع السلاح عبر حوار لا نهاية له سيمنح “الحزب” فرصة للنجاة من الضغوط الحالية.
وفي ظل ضعف “حزب الله” ورعاته الإيرانيين، يملك لبنان فرصة عابرة لإحراز تقدم فعلي نحو السيادة. وستواصل واشنطن الضغط على بيروت لاقتناص هذه الفرصة، لكن القرار النهائي يبقى بيد الرئيس عون والحكومة اللبنانية. ومن المؤكد أن “حزب الله” سيسعى إلى تأخير عملية نزع سلاحه على أمل الحفاظ على بعض قدراته. وإذا مضت الحكومة قدما ووسعت جهودها ضد “الحزب”، فقد تندلع اشتباكات عنيفة. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه المخاطر، فلن تتكرر فرصة أنسب لنزع سلاح “حزب الله”، سواء بموافقته أو من دونها، كما هي الآن.