لبنان

لبنان رهينة «الثنائي الشيعي»: هل من خلاصٍ سوى الإقصاء عن السلطة؟

بقلم تادي عواد –

لا يزال لبنان منذ سنواتٍ يعاني أزماتٍ سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة. وعلى الرَّغم من وجود عوامل داخليّة وخارجيّة عديدة تُسهم في هذا الانهيار، فإنّ الحقيقة التي ينبغي التصريح بها دون مراوغة هي أنّ «الثنائي الشيعي» (حزب الله وحركة أمل) يمثّل العائق الأكبر أمام أيّ إصلاحٍ حقيقي. لقد تحوّل هؤلاء إلى قوّة مهيمنة على مفاصل الدولة، فارضين إرادتهم عبر السلاح غير الشرعي، والابتزاز السياسي، والمقايضات التي تُشلّ المؤسسات وتُفقدها استقلاليتها.

هيمنة مسلّحة خارجة عن الشرعية

ليس خافيًا أنّ أحد أعمدة «الثنائي الشيعي» هو ترسانةٌ عسكريّةٌ أمنيّةٌ محترفةٌ في القتل والاغتيالات السياسيّة، وتجارة الممنوعات والتهريب، وهي تتجاوز سلطة الدولة، ما يحوّل المؤسّسات الرسميّة إلى غطاءٍ شكليٍّ لإدارته الحقيقيّة.

إنّ وجود السلاح خارج إطار الجيش والقوى الشرعيّة يقوّض سيادة الدولة، ويُلزم باقي الأطراف بالرضوخ أو المسايرة، خوفًا من الدخول في صدامٍ لا يحتمله لبنان.

ابتزاز سياسي وتطويع للمؤسّسات

يمارس «الثنائي» ضغطًا منهجيًّا على السياسيين، سواء من خلال تحالفاتٍ ظرفيّة، أو عبر فرض أمرٍ واقعٍ في اختيار الرئاسات وتشكيل الحكومات وتعطيل الاستحقاقات الدستوريّة.

كما يستغلّ النفوذ المستمدّ من السلاح والموقع الشعبي في حصر السلطة ضمن دائرةٍ ضيّقة، وتهميش سائر القوى السياسيّة التي لا تدور في فلك «الثنائي الشيعي».

تعطيل مسار الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي

عرّض النهج التسلّطي للثنائي مقوّمات الدولة الاقتصاديّة للانهيار؛ إذ بات الاصطدام الدائم بين منطق الدويلة والسلاح من جهة، ومنطق الدولة والمؤسّسات من جهة أخرى، يستنزف البلد. وعوض السعي إلى إنقاذ لبنان من شبح الإفلاس، تُستغلّ الأزمات لإبقاء التحكّم بمقدّرات البلاد ضمن حلقة «الثنائي» ومن يدور في فلكه.

الدبلوماسية المعزولة وإذكاء التوتّر الإقليمي

أدّى تبنّي سياساتٍ خارجيّةٍ لا تراعي مصالح لبنان الوطنيّة، إلى توريط البلاد في صراعاتٍ إقليميّة ودوليّة، وعزلها عربيًّا ودوليًّا. وقد تعرَّضت قطاعاتٌ استراتيجيّة كالقطاع الماليّ والسياحيّ للعقوبات والقطيعة، ما فاقم الانهيار الاقتصادي وأبعد فرص الاستثمار.

الحلّ: الإبعاد عن السلطة

إنّ أيّ «ترقيعات» أو حلولٍ وسطيّة لن تُفلح في تغيير الواقع الكارثي ما دامت قوّة السلاح فوق سلطة القانون. لذا، يبقى الحلّ الوحيد هو إبعاد هذه المنظومة عن السلطة، وفصل قرار الدولة اللبنانيّة عن أيدي طرفٍ يتصرّف باسم فئةٍ أو محورٍ خارجي. ومن دون هذه الخطوة الجذريّة، سيظلّ لبنان يدور في حلقةٍ مفرغةٍ من التعطيل والإفشال.

كيف يتحقّق ذلك؟

تشديد الرقابة الدولية والعربية على مصادر تمويل السلاح غير الشرعي، وفرض عقوباتٍ واضحةٍ تحدّ من استخدام لبنان ساحةً للصراعات الإقليميّة.

إعادة تشكيل تحالفاتٍ سياسيّة وطنيّة تضمّ شخصيّاتٍ مستقلّةً من الطائفة الشيعيّة، ترتكز على برنامجٍ واضحٍ يدعو إلى بناء دولةٍ حقيقيّةٍ وقضاءٍ مستقلّ، وترفض أيّ سلاحٍ غير شرعي تحت أيّ ذريعةٍ كانت.

خوض الاستحقاقات الانتخابيّة (رئاسيّة، نيابيّة، بلديّة) ببرامج علنيّة تُعلن صراحةً هدف استعادة قرار الدولة الكامل، ودعم جيشٍ وطنيٍّ موحَّد.

تثقيف الرأي العام وتسليط الضوء على تبعات بقاء لبنان في محور السلاح والدويلة، وإشراك المجتمع الشيعي الحرّ من خارج الثنائي في الحياة السياسيّة، والدعوة إلى محاسبةٍ سياسيّةٍ واضحةٍ لكلّ من يحمي هذا الوضع.

إنّ لبنان بلدٌ يزخر بالكفاءات والثروات البشريّة والطبيعيّة، لكنّه يفتقر إلى قرارٍ سياديٍّ مستقلّ وإلى مؤسّساتٍ قادرةٍ على حماية شعبه من مغبّة التسيّب والارتهان. وقد أثبتت التجارب أنّ الدولة لا يمكن أن تقف على رجليها بينما تتسلّح أطرافٌ داخليّة وتختطف قرارها بالقوّة. إنّ إبعاد «الثنائي الشيعي» عن السلطة ليس استهدافًا لطائفةٍ أو لفئةٍ بعينها، بل هو ضرورةٌ لإعادة التوازن والهيبة للمؤسّسات الرسميّة، وبناء وطنٍ يتّسع لجميع أبنائه في ظلّ القانون وحده لا سواه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى