لبنان

حكومة نواف سلام: فشل قبل الولادة وسقوط في فخ التسرع السياسي

بقلم تادي عواد –

لم تكن حكومة نواف سلام سوى انعكاس لسلسلة من الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها المعارضة السيادية في لبنان. فقد اتسمت عملية تشكيلها بالتسرع والانقياد وراء نواب الثورة المدعومين من اليسار، دون الأخذ في الاعتبار التحذيرات الأمريكية أو قراءة المشهدين الإقليمي والدولي المتغيرين. هذه العوامل مجتمعة أدّت إلى وصول شخصية يسارية مدعومة من فرنسا إلى رئاسة الحكومة، في وقت تشهد فيه أوروبا تحولات جذرية مع تصاعد نفوذ اليمين وتراجع التيارات اليسارية على المستوى العالمي.

المعارضة السيادية وسوء تقدير الحسابات السياسية

لطالما شكّلت المعارضة السيادية أملًا لكثير من اللبنانيين في إحداث تغيير سياسي حقيقي، إلا أن اندفاعها غير المدروس أوقعها في فخ التسرع وعدم تقدير التوازنات الداخلية والخارجية. فبدلًا من انتظار الظروف الملائمة لدعم مشروعها السياسي داخليًا وخارجيًا، دفعت المعارضة بنواف سلام إلى الواجهة دون مراعاة الديناميكيات الدولية، متجاهلةً الإشارات الأمريكية التي كانت تحثّ على التريث.

فرنسا على الخط لتعويض خسائرها الاقتصادية

مع تراجع نفوذها في مستعمراتها السابقة في إفريقيا، سعت فرنسا إلى تعويض خسائرها الاقتصادية عبر تعزيز حضورها في الشرق الأوسط. فبعد سقوط مرشحها لرئاسة الجمهورية، حاولت العودة مع حكومة سلام لفرض أجندة اقتصادية تصبّ في مصلحتها، تبدأ بخصخصة القطاعات الاستراتيجية في لبنان، مثل الكهرباء والاتصالات والمرافئ، كوسيلة لاستعادة موطئ قدم لها في لبنان والمنطقة.

وكانت الاستثمارات الفرنسية في لبنان قد بدأت فعليًا من خلال شركة الشحن البحري CMA CGM، التي أسسها اللبناني الأصل جاك سعادة. وفي عام 2021، اعتمدت الشركة مرفأ طرابلس كمحطة رئيسية لها في شرق المتوسط، ضمن مخطط فرنسي لتعزيز دورها الاقتصادي والمشاركة في إعادة إعمار سوريا من خلال شراكتها مع إيران.

إلا أن الحسابات الدولية لم تسر وفق المخطط الفرنسي، إذ أعادت الولايات المتحدة ترتيب الأوراق الإقليمية، فأنهت الدور الإيراني وقلّصت النفوذ الفرنسي في سوريا، ممهّدةً الطريق لتوازنات جديدة تجلّت بوضوح في استئناف التنسيق الاستخباراتي بين CIA والنظام السوري الجديد برئاسة أحمد الشرع.

تحولات عالمية: انهيار اليسار وصعود اليمين

يواجه الاقتصاد الأوروبي تحديات كبرى في ظل تراجع نفوذ اليسار وصعود اليمين المحافظ في كل من الولايات المتحدة وأوروبا. وهذا التحول لا يقتصر على الجانب السياسي فحسب، بل يمتد ليشكّل انقلابًا في السياسات الاقتصادية العالمية، حيث بدأت الحكومات الغربية تتبنى سياسات حمائية تعطي الأولوية للمصالح الداخلية على حساب المشاريع الخارجية غير المضمونة.

في هذا السياق، جاء الدعم الفرنسي لحكومة نواف سلام كمحاولة يائسة للحفاظ على النفوذ الاقتصادي في لبنان والشرق الأوسط. إلا أن هذا التحرك جاء في توقيت خاطئ، إذ لم تعد المعادلات الدولية مؤاتية للمشاريع اليسارية المدعومة من باريس، خاصةً في ظل تغيّر الأولويات الاستراتيجية الغربية في المنطقة.

سقوط حكومة سلام: ضرورة سياسية واقتصادية

إن قراءة المشهد السياسي والاقتصادي الدولي بواقعية تؤكد أن حكومة نواف سلام ليست سوى محاولة يائسة للتمسك بمشروع غير قابل للحياة. فمع المتغيرات الدولية المتسارعة، بات إسقاط هذه الحكومة ليس مجرد خيار سياسي، بل ضرورة اقتصادية وأمنية، تمهيدًا لطرح بديل أكثر توافقًا مع التوازنات الجديدة.

في هذا الإطار، يبرز أشرف ريفي كمرشح قادر على تشكيل حكومة تتماشى مع المتغيرات الإقليمية والدولية، بما يضمن إعادة التوازن إلى السياسة اللبنانية، بعيدًا عن الحسابات الضيقة التي أوقعت البلاد في دوامة الأزمات.

الحاجة إلى تصحيح المسار

ما شهدته الساحة السياسية اللبنانية في الأشهر الماضية يعكس خطورة اتخاذ قرارات متسرعة دون إدراك تداعياتها الدولية. لقد وقعت المعارضة السيادية في خطأ استراتيجي بإعطاء الضوء الأخضر لحكومة نواف سلام، المدعومة فرنسيًا، دون قراءة دقيقة للمتغيرات الجيوسياسية.

إلا أن تصحيح هذا المسار لا يزال ممكنًا من خلال إعادة ترتيب الأولويات السياسية، وإسقاط حكومة سلام لصالح شخصية أكثر انسجامًا مع التحولات العالمية، بما يضمن استقرارًا سياسيًا واقتصاديًا للبنان في المرحلة المقبلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى