لبنان

عن أي ميثاقية يتحدث محمد رعد؟

بقلم تادي عواد –

في تصريحه الأخير، قال محمد رعد، رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، بعد انتهاء الجلسة التشاورية مع رئيس الجمهورية: “من حقنا أن نطالب بحكومة ميثاقية، ولا شرعية لحكومة غير ميثاقية”. هذا التصريح يطرح تساؤلات مشروعة بشأن مفهوم “الميثاقية” في الخطاب السياسي اللبناني. فمنذ اعتماد الميثاق الوطني كأساس للتوازن الطائفي والسياسي، تحوّل هذا المبدأ إلى أداة تُستخدم بشكل انتقائي لتعزيز المكاسب السياسية، بدلاً من تحقيق الوحدة الوطنية أو العدالة بين المكونات.

تجربة حزب الله مع الميثاقية

بالعودة إلى الحقبة السياسية القريبة، نجد أن حزب الله كان طرفاً فاعلاً في تشكيل حكومات افتقرت إلى “الميثاقية”، من حيث استبعاد مكونات أساسية كفريق 14 آذار، الذي كان يمثل شريحة واسعة من اللبنانيين. في تلك المرحلة، لم يُطرح مفهوم “الميثاقية” كمعيار ضروري، بل غُيّبت هذه الاعتبارات لصالح ميزان القوى والسيطرة السياسية.

الميثاقية في عهد الرئيس عون

خلال ولاية الرئيس ميشال عون، عزّز التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر سياسات استبعاد قوى سياسية مهمة، أبرزها المكوّن السني الذي كانت تمثله قيادات تاريخية. أدى هذا التوجه إلى توسيع الفجوة الطائفية وتعميق الاستقطاب السياسي. فكيف يمكن التحدث عن “الميثاقية” في ظل ممارسات سياسية تُقصي شريحة كبرى من المكونات الوطنية؟

ما هي الميثاقية الحقيقية؟

الميثاقية، في الأساس، تعني احترام التوازن الطائفي والمذهبي وفقاً للصيغة الوطنية اللبنانية:

1. توزيع المقاعد الوزارية بين المسلمين والمسيحيين بنسبة 50%.

2. مراعاة تمثيل الطوائف الرئيسية: السنة، الشيعة، الموارنة، الأرثوذكس، والدروز.

3. توزيع الوزارات السيادية بطريقة تضمن التوازن الطائفي.

إلا أن المفهوم الحالي للميثاقية، كما يروّجه حزب الله، أصبح انتقائياً. فالـ”ميثاقية” التي فُرضت بالقوة بعد أحداث 7 أيار واتفاق الدوحة، أسقطها الحزب نفسه عندما أقصى فريق 14 آذار بالكامل واستأثر بالسلطة، فضلاً عن تهميش المكوّن السني في عدة حكومات.

استخدام مزدوج للميثاقية

اللافت أن مصطلح “الميثاقية” يُستغل غالباً لتعطيل المؤسسات أو فرض شروط سياسية. فعندما تكون الميثاقية في مصلحة طرف معيّن، تُرفع كشعار لا بد منه، لكن إذا شكّلت عائقاً أمامه، يُعاد تفسيرها لتتوافق مع مصالحه.

نقد مفهوم الميثاقية الحالي

الميثاقية، كفكرة أساسية، يجب أن تهدف إلى تعزيز التعددية وضمان المشاركة المتكافئة بين جميع المكونات اللبنانية. إلا أن ما يجري حالياً هو انحراف عن جوهر هذا المبدأ نحو استغلاله كأداة لتعزيز النفوذ السياسي، مما يُعمّق الأزمات ويُضعف ثقة المواطنين بالنظام.

الخلاصة

عن أي ميثاقية يتحدث محمد رعد؟ هل هي ميثاقية وطنية تسعى إلى تحقيق العدالة والمشاركة الحقيقية؟ أم أنها مجرد ورقة ضغط تُستخدم لتعزيز الهيمنة السياسية؟ إذا أراد الساسة اللبنانيون استعادة ثقة الشعب، عليهم العودة إلى جوهر الميثاق الوطني، الذي يقوم على الشراكة الفعلية، لا الاستفراد والإقصاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى