بقلم تادي عواد –
في المشهد السياسي اللبناني، يُعتبر سعد الحريري أحد أبرز الشخصيات السنية التي لعبت دورًا محوريًا في الساحة السياسية منذ اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري. ومع ذلك، فإن خروجه المؤقت من المشهد السياسي وغيابه عن التسمية لرئاسة الحكومة في المراحل الأخيرة يعكسان أزمة عميقة في علاقاته مع حلفائه التقليديين، دون أن ينجح في بناء علاقة متينة مع خصومه السياسيين.
إن قرار الحريري بعدم خوض الانتخابات النيابية الأخيرة، وما سبقه من أدوار لعبها تيار المستقبل، كان بمثابة نقطة تحول أدت إلى تفاقم أزمة الثقة بين التيار وحلفائه، لا سيما القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع وبعض الشخصيات السنية البارزة مثل فؤاد السنيورة وأشرف ريفي. وعلى الرغم من أن الحريري وتياره سعيا إلى اتخاذ مواقف سياسية وسطية، إلا أن هذه الاستراتيجية جاءت بنتائج عكسية.
دور أحمد الحريري وتأثيره السلبي
أحد أبرز الأخطاء التي وقع فيها تيار المستقبل هو الدور الذي لعبه أحمد الحريري، أمين عام التيار، في إدارة المعركة الانتخابية الأخيرة. ففي محاولة لضرب الحلفاء السياسيين، وخصوصًا سمير جعجع وأشرف ريفي، دعم أحمد الحريري مرشحين مدعومين من التيار الوطني الحر بقيادة جبران باسيل ومن حزب الله. هذه الخطوة، التي بدت وكأنها انتقام سياسي، لم تحقق أهدافها، بل أدت إلى عزل التيار أكثر وإضعاف موقفه على الساحة السنية.
النتيجة كانت واضحة: تيار المستقبل دفع ثمن هذه الحسابات الخاطئة بفقدان المزيد من الحلفاء التقليديين، وتعرض لانتقادات واسعة من قواعده الشعبية التي رأت في تلك التحالفات المؤقتة خيانة للمبادئ التي قام عليها التيار منذ تأسيسه.
أهمية إعادة قراءة المشهد السياسي
اليوم، يجد تيار المستقبل نفسه في مفترق طرق. فاستمرار النهج السابق قد يؤدي إلى مزيد من التهميش السياسي، بينما يتطلب الخروج من هذه الأزمة إعادة قراءة واقعية للمشهد السياسي، وتقييم الأخطاء التي ارتكبت، والعمل على تصحيح المسار. لا يمكن للتيار أن يستعيد دوره إلا من خلال إعادة بناء جسور الثقة مع القوى السياسية التي كانت حليفة له، والتخلي عن السياسات المبنية على ردود الفعل الانتقامية.
إعادة تشكيل التيار ينبغي أن تشمل أيضًا مراجعة داخلية عميقة لإعادة الحيوية إلى قيادته من خلال إدخال شخصيات قادرة على استعادة الثقة الشعبية والسياسية، مثل مصطفى علوش، الذي يُعتبر أحد الوجوه البارزة ذات الحضور القوي والتأثير في الشارع السني. هذه الخطوة قد تساعد التيار في ترميم علاقاته مع بعض الشخصيات السنية المستقلة، وفي تحسين صورته أمام جمهوره التقليدي.
الخلاصة
إن تيار المستقبل أمام تحدٍّ وجودي في المرحلة المقبلة، حيث لا يمكنه الاستمرار في النهج السابق دون إحداث تغيير جوهري في سياساته وقيادته. المطلوب هو إعادة بناء التيار على أسس جديدة تعيد له دوره كقوة سياسية سنية مؤثرة في لبنان، من خلال تصحيح الأخطاء السابقة، واستعادة ثقة الحلفاء، وتشكيل رؤية سياسية واضحة تخدم مصلحة الطائفة السنية والوطن ككل. في ظل هذا الواقع، سيبقى السؤال المطروح: هل يستطيع سعد الحريري تجاوز إرث الماضي وإعادة بناء تياره على أسس جديدة وواقعية؟