إصلاح الجهاز الأمني في لبنان
بقلم بيرسيفال فيليبس – 16 ديسمبر 2024
من صحيفة The Watch Post
بمجرد انتخاب رئيس في عام 2025، وأثناء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وبعد سقوط نظام الأسد في سوريا، ومع التجارب التي مر بها لبنان منذ أوائل التسعينيات، أصبح إصلاح الأجهزة الأمنية في لبنان ضرورة لا غنى عنها.
كيف يمكن تحقيق ذلك؟
في الأنظمة الديمقراطية، توزيع المهام بين أجهزة الاستخبارات والخدمات العسكرية وقوات الشرطة هو عملية معقدة تتطلب توازناً دقيقاً لتجنب تكرار المهام، ومنع إساءة استخدام السلطة، وضمان عمل كل جهاز ضمن نطاق صلاحياته دون التدخل في العملية الديمقراطية. وفيما يلي المبادئ والآليات الأساسية المستخدمة لتحقيق هذا التوازن:
1. تحديد واضح للأدوار والصلاحيات
أجهزة الاستخبارات:
مسؤولة بشكل أساسي عن جمع وتحليل وتقديم المعلومات المتعلقة بالأمن القومي، بما في ذلك التهديدات من الخصوم الأجانب، أو المنظمات الإرهابية، أو التخريب الداخلي. ينصب تركيزها على الوقاية والتخطيط الاستراتيجي بدلاً من تنفيذ القانون الفوري.
الخدمات العسكرية:
مكلفة بالدفاع عن الدولة ضد التهديدات الخارجية. مهامها ذات طابع دفاعي، وقد تشارك أيضاً في مهام حفظ السلام أو الجهود الإنسانية في الخارج. في الديمقراطيات، عادةً ما تقتصر العمليات العسكرية على المهام الخارجية، مع وجود قواعد صارمة تحد من تدخلها في الشؤون الداخلية.
قوات الشرطة:
معنية بالحفاظ على النظام الداخلي، وتنفيذ القوانين، ومنع الجرائم، وحماية حقوق المواطنين. تُعنى الشرطة بالتحقيقات، ومراقبة الأماكن العامة، والاستجابة للتهديدات الفورية داخل حدود الدولة.
التطبيق العملي في لبنان:
الجيش:
يجب تعديل الدستور بحيث ينص على أنه لا يجوز لأي ضابط في الجيش، بغض النظر عن رتبته، الترشح لأي منصب عام قبل مرور 5 سنوات على تركه منصبه، سواء تم إنهاء خدمته بالتقاعد أو الاستقالة الطوعية.
الاستخبارات العسكرية: يجب أن تقتصر مهامها على الاستخبارات العسكرية فقط. يمنع عليها التجسس على المدنيين أو التورط في الشؤون السياسية للبلاد. كما لا يجب منحها أي تفويض آخر باستثناء تأمين منشآت وأفراد الجيش، وجمع المعلومات الاستخباراتية حول قوة ونوايا الجيوش الأجنبية المجاورة لمنع أي هجوم على الأراضي اللبنانية.
استثناء واحد: مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. يجب أن تُمنح الاستخبارات العسكرية السلطة الكاملة على هذه المخيمات ونزع سلاحها بالكامل، إلى أن يتم التوصل إلى حل نهائي لهذه القضية.
قوى الأمن الداخلي:
يجب أن تقتصر مهامها على الأنشطة الشرطية، مثل التعامل مع المخالفات المدنية والجرائم الجنائية.
ينبغي أن تضم جهاز استخبارات يُعنى بجميع التهديدات الداخلية: الإرهاب المحلي، تهريب المخدرات، تهريب الأسلحة والمتفجرات والبشر، وجرائم الاختطاف.
يمنع على هذا الجهاز التدخل في الأنشطة السياسية السلمية للأحزاب اللبنانية المرخصة والمعترف بها.
الأمن العام:
إلى جانب مهامه العامة (إصدار جوازات السفر، مكافحة تزوير الوثائق الرسمية والعملات)، يجب أن يتخصص هذا الجهاز في جميع الأنشطة المتعلقة بالأجانب، بما في ذلك:
إصدار تصاريح الإقامة.
مراقبة الأنشطة المشبوهة على الأراضي اللبنانية، بما في ذلك التجسس ومكافحة التجسس.
جهاز أمن الدولة:
يجب تفكيك هذا الجهاز بالكامل.
المحكمة العسكرية:
يجب أن يقتصر نطاق اختصاصها وصلاحياتها بشكل دقيق على أفراد المؤسسة العسكرية فقط، وليس المدنيين.
بالنسبة لجميع الجرائم الأخرى، بما في ذلك التجسس والإرهاب، ينبغي أن تكون المحاكم الجنائية الخاصة خارج نطاق القضاء العسكري هي المسؤولة الوحيدة عنها.
2. آليات الإشراف والمساءلة
تقوم الأنظمة الديمقراطية بتطبيق عدة مستويات من الإشراف لمنع إساءة استخدام السلطة من قبل أجهزة الاستخبارات، أو الجيش، أو الشرطة:
اللجان المستقلة للإشراف:
تُنشئ العديد من الديمقراطيات هيئات مستقلة، غالباً ما تكون لجان تشريعية أو وكالات رقابة متخصصة، لمراقبة أنشطة هذه الأجهزة.
على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، تراقب لجان الاستخبارات في مجلسي الشيوخ والنواب عمليات مجتمع الاستخبارات. توجد لجان مماثلة في دول أخرى، مثل لجنة الاستخبارات والأمن في المملكة المتحدة.
الإشراف القضائي:
يمكن للمحاكم أن تكون وسيلة لضبط أنشطة هذه الأجهزة، لا سيما في القضايا التي تتعلق بالحقوق المدنية أو عندما تتجاوز الأجهزة صلاحياتها القانونية.
على سبيل المثال، يمكن للمحكمة أن تصدر أوامر للحصول على إذن المراقبة، مما يضمن أن تعمل أجهزة الاستخبارات ضمن حدود القانون.
الإشراف الداخلي:
داخل كل جهاز، يجب أن توجد وحدات رقابة داخلية أو مكاتب للمفتش العام لمتابعة الامتثال للقوانين والمعايير الأخلاقية.
يساعد هذا النوع من الرقابة الداخلية في اكتشاف المخالفات ومنع إساءة استخدام السلطة قبل أن تتفاقم.
3. الضمانات والقيود القانونية
تلعب الأطر القانونية دوراً حيوياً في تحديد نطاق صلاحيات كل جهاز وضمان أن أنشطته لا تنتهك حقوق المواطنين.
مقترحات قانونية:
وضع قوانين واضحة تحدد المهام المسموح بها لكل جهاز.
تعزيز العقوبات على إساءة استخدام السلطة أو تجاوز الصلاحيات.
ضمان استقلالية القضاء وحياديته في محاسبة الأجهزة الأمنية إذا لزم الأمر.
الاستخبارات:
تُقيد أنشطة أجهزة الاستخبارات عادةً بقوانين تحدد الظروف التي يُسمح فيها بإجراء المراقبة، أو التنصت، أو العمليات السرية.
تضمن هذه القوانين عدم تجاوز هذه الأجهزة صلاحياتها وانتهاك الحريات الفردية.
الجيش:
يُحظر عادةً تدخل الجيش في الشؤون الداخلية، إلا في حالات الطوارئ الوطنية أو تحت شروط معينة، مثل إعلان الأحكام العرفية أو عند التصدي لتهديدات تعجز الشرطة أو السلطات المحلية عن التعامل معها.
الشرطة:
تخضع صلاحيات الشرطة لقيود قانونية، مثل ضرورة الحصول على مذكرة قبل تنفيذ عمليات تفتيش أو اعتقالات.
كما أن القوانين المتعلقة بـاستخدام القوة، والمساءلة، والإجراءات القانونية الواجبة أساسية للحفاظ على النظام الديمقراطي.
4. منع التسييس
يعد الفصل بين الأدوار، إلى جانب مبادئ المساءلة والشفافية، أمراً ضرورياً لمنع الأجهزة الأمنية من التدخل في العملية الديمقراطية. قد يحدث التسييس عندما تُستخدم هذه الأجهزة لقمع المعارضة السياسية، أو التلاعب بالانتخابات، أو تقويض المؤسسات الديمقراطية. ولمنع ذلك:
تعيينات قيادية غير سياسية:
يجب أن تُملأ المناصب القيادية في الجيش، والاستخبارات، وقوات الشرطة بناءً على الكفاءة، والخبرة، والالتزام بالمبادئ الديمقراطية، وليس بناءً على الولاء السياسي.
تطبيق القانون بصورة غير حزبية:
يجب ألا تُستخدم أجهزة إنفاذ القانون كأداة لتحقيق مكاسب سياسية حزبية.
ينبغي تطبيق القوانين المتعلقة بأمن الانتخابات، وجهود مكافحة الفساد، والسلامة العامة بالتساوي، بغض النظر عن الانتماء السياسي.
الخاتمة
يعتمد النجاح في توزيع المهام بين أجهزة الاستخبارات، والجيش، وقوات الشرطة في النظام الديمقراطي على:
1. تفويض قانوني واضح.
2. آليات للمساءلة.
3. هيئات إشراف.
4. فصل واضح للسلطات.
يجب هيكلة هذه الأجهزة بحيث تحترم الحقوق الفردية، وتمنع إساءة استخدام السلطة، وتظل محايدة سياسياً. من خلال تعزيز الرقابة والشفافية وحماية الحريات المدنية، يمكن للنظام الديمقراطي أن يحافظ على الأمن دون المساس بقيمه الأساسية.