تحت المجهر

باسيل يقحم القضاء في تصفية حساباته السياسية… فساد وقح لم نشهد له مثيلاً

مجلة الشراع

نقلت النائبة بولا يعقوبيان صوت الناس إلى ستوديو برنامج ((صار الوقت)) مع الإعلامي مارسيل غانم حيث صرحت أن أفسد الوزراء وأكثرهم خطأً بحق الشعب اللبناني قد أعيد توزيرهم في الحكومة الحالية. وقالت يعقوبيان أن هناك الكثير من علامات الاستفهام حول الوزير جبران باسيل ولا سيما في ملف بواخر الكهرباء وقالت أنها سمعت عن دفع عمولات لا تقل عن 8% في هذا الملف.

وذكّرت يعقوبيان أن الوزير باسيل هو من أكد وجود عمولات في ملف بواخر الكهرباء وذلك في تغريدته على تطبيق ((تويتر)) بتاريخ 21/12/2018 التي أقر فيها بوجود حصص للبعض في هذا الملف، وهذا ما دفعها الى تقديم إخبار إلى المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم طالبةً سؤال الوزير باسيل عن هوية الأشخاص الذين قصدهم بتغريدته، وقد قام المدعي العام المالي بالاتصال بالوزير باسيل لسؤاله عن هذا الموضوع ولكنه لم يرد على اتصاله.

على أثر الحلقة التلفزيونية المذكورة، تقدم الوزير جبران باسيل بدعوى قضائية بوجه النائبة يعقوبيان أمام المحكمة الابتدائية المدنية في جديدة المتن ((غرفة القاضي الياس ريشا))، مستهلاً دعواه بالتعريف عن نفسه بأنه نائب ووزير ورئيس أكبر الأحزاب اللبنانية وأكبر الكتل النيابية وأن القوانين المرعية الاجراء تمنع الغير من التعرض لسمعته، وطلب في نهاية الدعوى الحكم على النائبة يعقوبيان بدفع مبلغ بقيمة مئة وعشرة ملايين ليرة لبنانية كتعويض عن العطل والضرر اللاحق بسمعته، وذلك بعد أن ادلى بعدم صحة كلامها عن العمولات المدفوعة في ملف البواخر.

واعتبر باسيل في دعواه أن الحصانة النيابية لا تقي النائب من الدعاوى المدنية وأن نطاق هذه الحصانة يبقى محصوراً في الدعاوى الجزائية.

وفور تبلغها استحضار دعوى باسيل، كلّفت النائبة بولا يعقوبيان وكيلها القانوني المحامي لؤي ضاهر غندور للمرافعة والمدافعة عنها في هذه الدعوى، فتقدم بتاريخ 5/4/2019 بلائحة جوابية مؤلفة من 73 صفحة ومثقلة بمئات المستندات تمكنت ((الشراع)) من الحصول على نسخة عنها.

وقد استهل غندور لائحته بمقدمة اعتبر فيها دعوى باسيل على يعقوبيان سابقة خطيرة لم تشهد البلاد مثلها في أحلك ظروف الحرب من شأنها المساس بركائز النظام الديمقراطي، وأن الوزير باسيل قد أقحم القضاء في تصفية حساباته السياسية في محاولة منه لتقويض الأصول البرلمانية وكم الأفواه المعارضة له، مشيراً الى ان باسيل يرأس أكبر كتلة وزارية في الحكومة وأنّه بات يختصر السلطة التنفيذية بشخصه وأنّه أصبح اللاعب الأوّل في تشكيل الحكومات الأخيرة التي تعاقبت على حكم البلاد في السنوات العشر الأخيرة بسبب قربه من رئيس الدولة الذي أطلق يده في التدخّل في كل صغيرة وكبيرة، وهو من هذا المنطلق لم يعد مجرّد وزير أو نائب أو مواطن عادي.

ثم عرض الوكيل القانوني ليعقوبيان واقع الفساد في لبنان وبيّن الارتفاع الهائل في الدين العام وفي مرتبة لبنان في مؤشر مدركات الفساد لاسيما بعد انضمام الوزير باسيل وفريقه إلى الحكم، مشيراً إلى أن الفرقاء السياسيين الذين يتسابقون اليوم في إعلان عزمهم على مكافحة الفساد هم في الواقع شركاء متضامنون في كل الفساد الحاصل وذلك لانفرادهم في إدارة البلاد وإدارة المال العام في السنوات العشر الأخيرة.

وفي البند الثاني من مطالعته، وضع المحامي لؤي غندور عرضاً زمنياً موثقاً بالمستندات عن واقع قطاع الكهرباء في لبنان وفضيحة البواخر منذ العام 2009، حيث أوضح أن الوزير جبران باسيل، وفي حديث له مع الإعلامية ماغي فرح، كان قد اعتبر مسألة استقدام البواخر كذبة كبيرة على الشعب، ثم، وبعد عدة أشهر، أصبح المدافع الأول عن استقدامها وأصبح يعتبرها الحل الوحيد لمشكلة الكهرباء في لبنان وقام، هو وفريقه، بتعطيل البلاد وشل العمل الحكومي من أجل الضغط على مجلس الوزراء وإلزامه بالموافقة على استقدام هذه البواخر.

وضمن العرض الزمني المذكور أثبت غندور أن يعقوبيان قد استندت في حديثها عن نسبة الـ 8% الى الموقف الرسمي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي صرّح في العام 2012 عن وجود عمولات بحوالى 26 مليون دولار في صفقة البواخر الأولى التي كانت تبلغ 320 مليون دولار أي ما نسبته حوالى 8% من قيمة الصفقة. ثم تحدث عن قيام وزارة الطاقة بتجديد عقد البواخر لمدة سنتين بطريقة ملتوية ودون المرور بمجلس الوزراء، من خلال ملحق عادي، ثم محاولة الوزارة اتباع الأسلوب ذاته لاستقدام بواخر طاقة إضافية بقدرة 825 ميغاوات بالطريقة ذاتها وبكلفة مليار 886 مليون دولار في حين أن ثمن هذه البواخر لا يزيد عن 650 مليون دولار. وتم التطرق في العرض الزمني الى قرار هيئة التفتيش المركزي رقم 87/2013 وإلى إحالة مجلس الوزراء لملف البواخر لجانب إدارة المناقصات بعد تزوير محضر الجلسة.

ومن جهة أخرى تطرق رد يعقوبيان الى نواح عدة من حياة باسيل السياسية ومواقف معظم السياسيين والمواطنين منه، مشيرة إلى أنه لم يتم التشكيك بنزاهة مسؤول على مر التاريخ اللبناني كمثل ما تم مع الوزير باسيل، واعتبرت يعقوبيان أن حملة باسيل وفريقه عليها قد بدأت عندما تقدمت بإخبارها الى النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم وابرزت ما يثبت ان إبراهيم قد اتصل بباسيل دون أن يرد هذا الأخير على اتصاله.

واعتبرت يعقوبيان في لائحتها أن دعوى باسيل تعتبر دعوى سياسية بامتياز تهدف الى إسكات صوت نائب تجرأ على قول الحقيقة، معتبراً أن خطورة هذه الدعوى تكمن في أنها ترمي الى إلغاء النظام الديمقراطي بالكامل وتحويل النائب الى مجرد شاهد على الفساد في إدارات الدولة دون أن يجرؤ على فضحه خوفاً من تعرضه للملاحقة أمام القضاء الأمر الذي سيؤدي حتماً الى تغيير الوجه الحقيقي للنظام اللبناني، هذا بالإضافة الى أن هذه الدعوى تقحم القضاء في آتون السياسة وتهدف الى تحويل أنظار الشعب عن فساد وقح لم نشهد له مثيلاً وذلك عبر حجب الحقائق الصارخة عن الرأي العام من خلال إرهاب ممثليه الذين تعتبر آراؤهم السياسية من أهم وسائل اطلاعه على الحقائق. وجاء في لائحة يعقوبيان أن باسيل يحاول اليوم من خلال هذه الدعوى الحصول على صك براءة في الوقت الذي توجه فيه التهم إليه من جميع فئات المجتمع اللبناني، وأنه اختار من بين ملايين الأصوات المنطلقة ضده صوت نائبة استفزته بكونها تمثل المعارضة الحقيقية من خارج المنظومة السياسية المتآمرة على مصالح الشعب، فقرر ملاحقتها مستغلاً النقطة الأنصع في حياتها السياسية ألا وهي عدم انضمامها لأي حزب تقليدي وعدم تلطيها بزعيم أو طائفة، وكتب وكيل يعقوبيان في لائحته أن ما ستقرره المحكمة في هذه الدعوى لن يكون مجرد فصل في دعوى قدح وذم أو تحصيل شرف، بل سيحدّد مصير الحريات العامة في لبنان ومسار العمل النيابي للسنوات والعقود القادمة ومستقبل العمل السياسي في لبنان ومستقبل لبنان بحد ذاته لا سيما أن باسيل يحاول التحصن بالقضاء متناسياً أن تحصين الفاسد هو جريمة لم ولن يرتكبها القضاء اللبناني.

وبعد كل ما سبق ذكره، وضع المحامي لؤي غندور مطالعة دستورية هامة تتناول مسألة تطرح للمرة الأولى أمام القضاء وهي الحصانة النيابية في الدعاوى المدنية، وقد عرض غندور في مطالعته للأساس التاريخي للحصانة النيابية ونشأتها وأهميتها كقاعدة أساسية في النظام الديمقراطي باعتبارها الضمانة الأهم التي تسمح للنائب أداء مهمته الرقابية بكل حرية واستقلال بعيداً عن تأثير السلطة التنفيذية كونه يحمل وكالةً تمثيلية من الشعب ومن واجبه أن يحافظ على أموال الشعب وحقوقه دون أن يخشى أي ملاحقة بسبب كلمته الحرة.

وقد أكد الأستاذ غندور أن فقهاء الدستور في لبنان وفرنسا قد أجمعوا على أن حصانة النائب تمتدّ لتشمل الدعاوى الجزائية والدعاوى المدنية على حدّ سواء، إذ لا يجوز تجزئة حرية التعبير المخوّلة للنائب بشكل يمنع الملاحقة الجزائية ويبيح الإدعاء المدني الناجم عما يدّعى به من جرم، لأن ذلك يُفرغ الحصانة النيابية من مضمونها ويجعل النائب عرضة للضغط من قبل السلطة التنفيذية عبر مطالبات بالتعويض المدني، إذ يعتبر ذلك وجهاً من وجوه تقييد الوكالة الشعبية الأمر الذي لا يأتلف مع المبادئ الأساسية للنظام الديمقراطي. كما أكد أن الحصانة النيابية تشمل كافة القضايا والدعاوى المدنية المستندة الى أي أفعال مرتكبة من النائب بمعرض ممارسته لعمله النيابي وأنه لا يحق للنائب، عندما يكون مختصماً في أي دعوى، أن لا يتمسّك بحصانته وان يترك المحاكمة تسير بشكل عادي، ويتوجّب على كافة المحاكم التي تقام امامها اي دعوى على أي نائب بشأن أي عمل متّصل بمهامه البرلمانية، أن تعلن عدم اختصاصها وأن تثير مسألة الحصانة عفواً.

واستطرد وكيل يعقوبيان طالباً رد الدعوى لعدم الاختصاص الوظيفي للمحكمة كون الأفعال المشكو منها من قبل باسيل تشكل جرائم جزائية معاقب عليها في قانون العقوبات ولا سيما لجهة القدح والذم.

وفي الأساس، أكد غندور أن موكلته لم تلفق أي أخبار كاذبة عن باسيل وانها استندت في أرقامها الى أحاديث منشورة في الصحف لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وان ما تم ذكره في مستهل اللائحة حول صفقات البواخر يثبت ان كلام يعقوبيان كان يستند الى مستندات وتقارير رسمية. واعتبر وكيل يعقوبيان ان باسيل تلقى الاتهامات والشتائم من كافة الفرقاء السياسيين ومن معظم المواطنين وانه لم يثبت ان سمعته قد تضررت بشكل إضافي بما يوازي 110 ملايين ليرة بنتيجة كلام يعقوبيان الذي لم يتضمن أي إهانة له لاسيما اذا قورن بكل ما قيل قبله، حيث يظهر أن ما قالته النائبة المعارضة هو غيض من فيض ما قيل بحق باسيل الذي وصفه وزير المالية بالسارق وبلصّ العهد ووصفه وزير العدل السابق اللواء أشرف ريفي بالفاسد الأول، كما نعته النائب فريد هيكل الخازن بالحرامي وقال عنه الصحفي سركيس نعوم انه انسان شرير، وامتلأت صفحات الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي بأقبح الألفاظ تجاهه. وجاء في اللائحة لهذه الجهة ان المسؤولية التقصيرية التي يستند اليها باسيل تقوم على أساس الخطأ، وان يعقوبيان لم ترتكب أي خطأ كونها كانت تقوم بما يفرضه عليها الدستور وما تفرضه عليها الوكالة المعطاة لها من الشعب اللبناني.

وفي نهاية الرد على الدعوى، تقدمت يعقوبيان بادعاء مقابل بوجه باسيل طالبةً الزامه بالتعويض عن العطل والضرر اللاحق بها بنتيجة التعسف في استعمال حق الادعاء، بالإضافة الى الطلب من المحكمة تعيين خبير لوضع تقرير مفصّل لتبيان الحقائق ومعرفة ما إذا كان كلامها يشكّل أكاذيب أم لا، بالإضافة الى تبيان حقيقة العمولات والتجاوزات والأشخاص الذين استفادوا منها دون وجه حق والزامهم باعادة هذه المبالغ الى الخزينة العامة.
 

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button