دفاع وأمن

الرصاصة التي أعادت تعريف “المدى القاتل”: مراجعة تقنية لأطول رمية قنص موثّقة في التاريخ

بقلم تادي عواد

سجّل القنّاص الأوكراني فياتشيسلاف كوفالسكي في نوفمبر 2023 واحدة من أكثر الرمايات التقنية تطلبًا في تاريخ القنص العسكري الحديث، بعد تنفيذ إصابة مؤكدة من مسافة تقارب 3.8 كيلومتر، وهي مسافة تضع الرمية ضمن فئة Extreme Long-Range Sniping (ELR) التي يتجاوز فيها العامل الباليستي حدود الاستخدامات التقليدية.

1. البعد الباليستي المتقدّم للرماية

إطلاق رصاصة على مدى 3800 متر يستوجب التعامل مع حزمة معقدة من المتغيرات الباليستية؛ أبرزها:

1.1 الزمن الباليستي (Time of Flight – TOF)

استغرقت الرصاصة قرابة 9 ثوانٍ للوصول، وهي فترة يتضاعف خلالها تأثير كل من:

تغيّر الرياح السطحية والطبقية (Layered Winds).

تباين حرارة الهواء ومعامل انكسار الضوء.

تغيّر كثافة الغلاف القريب من الأرض (Density Altitude).

تأثير دوران الأرض (Coriolis & Eötvös effects).

1.2 الانخفاض الجاذبي (Bullet Drop)

عند هذا المدى، ينخفض مسار الرصاصة عشرات الأمتار، ما يفرض زاوية إطلاق شديدة الارتفاع تصل في بعض الحالات إلى أكثر من 25–30 MOA فوق الهدف، مع اعتماد راسمات باليستية دقيقة قبل الإطلاق.

1.3 الانحراف الجانبي (Wind Drift)

الرياح هي العامل الأكثر خطورة: نسيم بمقدار 1 م/ث يمكن أن يزيح الرصاصة 4–6 أمتار عن الهدف.
لذلك، استندت العملية إلى قراءة متعددة الطبقات عبر نظام بصري–حراري متطور وأجهزة تقدير سرعة الرياح بعيدة المدى.

1.4 الاستقرار الديناميكي (Gyroscopic Stability)

هذا المدى يتطلب رصاصة ذات:

معامل باليستي (BC) مرتفع جدًا،

دوران ثابت (Stable Spin Rate)،

قدرة على الحفاظ على Mach stability عند انتقالها من سرعات فوق صوتية إلى شبه صوتية.

2. السلاح المستخدم: نظام “Volodar Obriyu”

الرامي استخدم النسخة المعدّلة من منصة القنص الثقيلة Volodar Obriyu، وهي بندقية أوكرانية طُوّرت خصيصًا لعمليات ELR.

2.1 مواصفات تقنية بارزة

سبطانة عالية الصلابة بمواد مقاومة للتشوّه الحراري.

عيار ثقيل مصمم للحفاظ على الطاقة والسرعة عبر مسافات فائقة.

مخمد ارتداد وتثبيت ثلاثي المحاور يوفر استقرارًا شبه مطلق.

عدسة حرارية–تكبير عالي (High-Magnification Hybrid Optics) مع إمكان مراقبة الاضطرابات الجوية (Mirage Reading).

نظام نمذجة باليستية مسبق يقدّم حسابات آلية للمدى والانحراف.

2.2 الذخيرة

الذخيرة المستخدمة من عيار 12.7×114 ملم محسّنة للمدى البعيد، من فئة:

رصاصات طويلة الطول (Long Projectile Profile)،

معامل باليستي مرتفع،

سبائك مقاومة للتشوه،

شحنة بارود ثابتة (Consistent Propellant Burn Rate).

3. أسلوب عمل القنّاص

كوفالسكي، ذو خبرة طويلة في الرماية البعيدة، اعتمد سلسلة عملياتية دقيقة قبل التنفيذ:

3.1 مرحلة التمهيد (Pre-shot Calibration)

رماية معايرة لضبط الانحراف الجانبي والارتفاع.

تحليل اضطراب الهواء عبر المشاهد الحرارية (Thermal Mirage).

قياس سرعة الرياح على عدة نقاط بين الرامي والهدف.

3.2 إطلاق الرمية

الإطلاق تم ضمن ما يُعرف بـ: One-Shot Data Integration
حيث تدمج الحسابات التي تم جمعها من الحساسات البصرية مع الخبرة الشخصية للرامي لتصحيح أي انحراف محتمل.

3.3 متابعة الرحلة (Flight Tracking)

اعتماد مراقبة فورية لتأثير الرياح والانكسار الحراري لحظة الإطلاق باستخدام أنظمة ترصد اضطرابات الهواء حول المسار.

4. الدلالات العملياتية

مثل هذه الرمية تعني تطورًا مهمًا في العقيدة القتالية:

تحول القنص من وظيفة دعم تكتيكي إلى قدرة شبه استراتيجية قادرة على استهداف مراكز القيادة والمراقبة من مسافات آمنة.

ارتفاع أهمية الأنظمة البصرية–الحرارية عالية الدقة في مسارح الحرب الحديثة.

تعزيز سباق تطوير منصات القنص الفائق بين الدول، مع دخول فئات جديدة من البنادق والذخائر.

خلاصة تقنية

رماية الـ 3.8 كيلومتر لم تكن مجرد طلقة بعيدة؛ بل منظومة عمل مشتركة بين:
فيزياء دقيقة،
حسابات باليستية معقّدة،
منصة قنص متفوقة،
وقنّاص قادر على دمج كل هذه العناصر في لحظة واحدة.

إنها رصاصة أعادت رسم الحد الأعلى الممكن لعمليات القنص في القرن الحادي والعشرين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى