شهادات مزوّرة وجيوش وهمية: الكشف عن شبكة التسليح التي تغذي حرب السودان

بقلم تادي عواد
تكشف وثائق سرّية اطلعت عليها مجلة Africa Intelligence عن وجود شبكة دولية واسعة تعمل على تجميع ونقل وتغطية شحنات ضخمة من الأسلحة الخفيفة إلى قارة أفريقيا، مع ترجيح أن الوجهة النهائية لهذه الشحنات هي ميليشيا الدعم السريع التي تخوض حربًا دامية ضد الجيش السوداني منذ أكثر من عام.
التحقيق يضع ثلاث دول في قلب العمليات: الإمارات، صربيا وتركيا، عبر شركات وساطة وتصدير تُدير عقودًا تحمل طابعًا رسميًا ظاهريًا، لكنها تُخفي خلفها أكبر عملية إمداد سرية لوكلاء مسلحين في المنطقة.
ثلاث شركات… وثلاث بوابات دولية
وفق الوثائق، تتألف الشبكة من ثلاث شركات تعمل بشكل متوازٍ من ثلاث دول:
1. ASG Trading – الإمارات
شركة وساطة مسجّلة في المنطقة الحرة بأم القيوين.
تلعب دورًا محوريًا في تنسيق الصفقات واستخدام شهادات “مستخدم نهائي” صادرة من جيوش أفريقية لتبرير طلبات أسلحة تفوق قدراتها واحتياجاتها.
2. Valir – صربيا
شركة تصدير صربية مرتبطة مباشرة بسمسار السلاح المعروف سلوبودان تيشيتش، الخاضع للعقوبات الأميركية.
وجود تيشيتش في الخلفية يعزز فرضية أن بعض المستندات وشهادات المنشأ تم تزويرها أو التلاعب بها لإخفاء مصادر الشحنات الحقيقية.
3. Fix Defence – تركيا
شركة تركية تُنفّذ مرحلة الشحن وإعادة التوجيه.
وتشير الوثائق إلى أن تركيا تُستخدم كنقطة عبور لوجستية، ما يُسهم في تعقيد مسار الإمداد وجعله أقل قابلية للتتبّع.
وثائق “المستخدم النهائي”… قلب المخطط
تكشف الوثائق عن استخدام ممنهج لشهادات رسمية صادرة عن جيوش أفريقية، خصوصًا من مالاوي والكونغو الديمقراطية، لطلب كميات هائلة من الأسلحة لا تتناسب مطلقًا مع حجم هذه الجيوش.
شهادة جيش مالاوي شملت:
30,000 بندقية AK-47
100 رشاش ثقيل KPV عيار 14.5 ملم
150,000 قذيفة RPG
11 مليون طلقة 7.62×54 ملم
أما شهادة الحرس الجمهوري في الكونغو فشملت معدات بقيمة 45 مليون يورو:
30,000 بندقية هجومية M05 E1
3,000 رشاش M84
1,000 بندقية قنص M91
هذه الكميات تفوق أضعافًا مضاعفة قدرات الجيوش المذكورة وعديدها، ما يدفع إلى استنتاج واحد:
الطلبات ليست مخصصة لهذه الجيوش… بل تُستخدم كغطاء لشحنات موجهة إلى طرف ثالث.
الوجهة الحقيقية: السودان
وفق المعلومات التي جمعتها المجلة، فإن الأسلحة تُنقل في النهاية إلى السودان عبر طرق برية وجوية معقدة، لتصل إلى ميليشيا الدعم السريع التي تبحث عن مصادر تسليح بعد استنزاف مخازنها خلال الحرب الأخيرة.
مصادر التحقيق ترجّح أن جزءًا من هذه الشحنات مصدره الحقيقي الصين، وليس صربيا كما تدعي الوثائق، وهو ما تكشفه:
الأسعار المنخفضة جدًا بالمقارنة مع الأسعار الرسمية الصربية
عدم تطابق مواصفات الأسلحة مع إنتاج مصانع “زاستافا آرمز” المعروفة
مخطط متكامل… وضعه محركو السلاح في قلب ثلاث دول
التقرير يسلّط الضوء على كيفية عمل هذه الشبكة:
الإمارات: واجهة تنظيمية ومالية لتمرير الأوراق الرسمية
صربيا: مصدر شكلي للأسلحة عبر شركات مرتبطة بسمسار خاضع للعقوبات
تركيا: ممرّ لوجستي يُستخدم لإعادة شحن وإخفاء مسارات النقل
وبين هذه النقاط الثلاث، تتحرك شحنات سلاح تقدّر بملايين اليوروهات، تمرّ عبر وثائق تبدو شرعية، لكنها تُخفي وجهتها الحقيقية عن الأنظار.
تُظهر الوثائق أن هذه الشبكة تُعد من أكبر شبكات السلاح غير المعلنة التي تعمل فوق الطاولة وتحته، مستخدمة شركات وهمية وشهادات رسمية مضللة لتمرير أسلحة خفيفة بكميات عسكرية إلى مناطق الصراع.
وإذا صحّت المؤشرات التي تربط نهاية هذا الخط بميليشيا الدعم السريع في السودان، فإن المنطقة قد تكون أمام مرحلة جديدة من التصعيد العسكري مع تدفق أسلحة إضافية إلى ساحة حرب تُعد من الأكثر دموية في أفريقيا اليوم.




