قضايا الارهاب

إدلب على خطى أفغانستان: معضلة الجهاديين الأجانب

بقلم تادي عواد

تشهد مدينة حارم في ريف إدلب الشمالي توتراً غير مسبوق، بعد اندلاع اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن الداخلي التابعة للحكومة السورية المؤقتة وعناصر كتيبة الغرباء التي تضم مقاتلين فرنسيين بقيادة الجهادي الفرنسي من أصول سنغالية عمر أومسن (عمر ديابي). العملية الأمنية، التي استهدفت ما يُعرف بـ«مخيم الفرنسيين»، جاءت على خلفية اتهامات بخطف طفلة وارتكاب تجاوزات أمنية، لكنها سرعان ما تحولت إلى مواجهة مفتوحة ذات أبعاد عابرة للحدود.

 

نداء النفير الأوزبكي: من الدعم إلى الاستنفار

في خضم الحصار الذي فرضته القوات المحلية على كتيبة الغرباء، أعلنت مجموعات من المقاتلين الأوزبك حالة النفير، معلنة استعدادها لـ«نصرة إخوانها الفرنسيين» في مواجهة قوات الأمن. هذا الموقف لم يكن مجرد رد فعل عاطفي، بل مؤشر على هشاشة التوازن داخل إدلب، حيث تتجاور عشرات الفصائل الأجنبية — من القوقاز وآسيا الوسطى وأوروبا — ضمن مناطق تسيطر عليها سلطات محلية تسعى اليوم لفرض سيادتها الكاملة.

 

التاريخ يعيد نفسه: من كابول إلى إدلب

المشهد السوري الراهن يعيد إلى الأذهان ما جرى في أفغانستان بعد انسحاب القوات السوفيتية عام 1989. حينها، انتهى “الجهاد العالمي” ضد الاحتلال السوفييتي، ووجد آلاف المقاتلين الأجانب أنفسهم بلا هدف ولا حاضنة. تحولت البلاد إلى ساحة اقتتال داخلي بين الفصائل، وانقسم المقاتلون بين من انضم إلى طالبان ومن انتقل إلى ساحات جديدة في الشيشان والبوسنة والعراق، لتولد من تلك الفوضى نواة تنظيم القاعدة.

 

في إدلب اليوم، تتكرر الدورة ذاتها بصورة مختلفة:

فمع تقلّص مساحة النفوذ العسكري، وسعي قوات الأمن الداخلي التابعة للرئيس احمد الشرع لإحكام قبضتها، بات المقاتلون الأجانب عبئاً أمنياً وسياسياً. بعضهم ما زال متمسكاً بأيديولوجيته العابر للحدود، فيما تحاول السلطات المحلية تقديم نفسها كقوة منضبطة تسعى إلى “تنظيف” المنطقة من العناصر المتطرفة.

 

بين السيطرة والمواجهة: معركة النفوذ الأخيرة

الحملة في حارم قد تكون بداية مرحلة تصفية الحسابات بين الفصائل المحلية والجماعات الأجنبية. لكن خطورتها تكمن في أنّ هذه التنظيمات — وخصوصاً كتيبة الإمام البخاري الأوزبكية وفلول جند الشام وكتيبة الغرباء — تمتلك خبرات ميدانية واسعة، وتسليحاً جيداً، وشبكات دعم تمتد خارج سوريا. أيّ صدام شامل معها قد يحوّل إدلب إلى ساحة استنزاف جديدة، تُضعف سلطة القوى المحلية وتفتح الباب أمام عودة الفوضى.

 

الصمت الدولي و«الفصل الثاني» من الحرب

اللافت أن المشهد الدولي اليوم يشبه تماماً لحظة ما بعد الحرب الأفغانية. القوى الكبرى تراقب بصمت ما يجري، بينما تنشغل بحساباتها الإقليمية مع تركيا وروسيا. لكن التجربة أثبتت أن تجاهل مصير المقاتلين الأجانب لا يلغي خطرهم، بل يدفعهم إلى الظهور من جديد في ساحات أخرى، أكثر اضطراباً وأقل رقابة.

 

الخلاصة: إدلب تكتب سيناريو أفغانستان من جديد

بين مطرقة الحصار وسندان العزلة، يقف المقاتلون الأجانب في إدلب على مفترق طريق شبيه تماماً بما عاشه «العرب الأفغان» قبل ثلاثة عقود. فإن نجحت السلطات المحلية في تفكيك كتيبة الغرباء واحتواء المجموعات المماثلة، فقد تفتح الباب أمام استقرار هشّ في الشمال السوري. أما إن انفلتت الأمور، فقد نشهد ولادة جهادية جديدة من رحم إدلب، تُعيد إنتاج الفوضى بنسخة أكثر تعقيداً وعولمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى