“التحالف الغادر”… فهم ما وراء الحرب بين إيران وإسرائيل

لماذا اندلعت الحرب بين إيران وإسرائيل، ولماذا توقفت فجأة؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من العودة إلى جذور العلاقة المعقدة بين الطرفين، تلك التي يكشف خفاياها كتاب “التحالف الغادر: التعاملات السرّية بين إيران، إسرائيل، والولايات المتحدة” (2007) للباحث الإيراني–الأمريكي البارز تريتا بارسي، مؤسّس “المجلس الوطني الإيراني الأمريكي” (NIAC).
اعتمد بارسي على أكثر من 130 مقابلة مع شخصيات أمنية وسياسية رفيعة من طهران وتل أبيب وواشنطن، إضافة إلى وثائق رسمية ومصادر موثوقة. وخلص إلى أن ما يجمع بين هذه الدول الثلاث ليس الأيديولوجيا أو العداء الظاهري، بل مصالح جيوسياسية مشتركة تتخفّى خلف واجهات صدامية.
دعم إسرائيلي لإيران في حرب الثمانينات
يكشف بارسي بالأدلة أن أكثر من 80٪ من الأسلحة التي استخدمتها إيران في حربها ضد العراق وصلت إليها عبر إسرائيل، وبتنسيق أمريكي ضمن فضيحة “إيران–كونترا”. فقد زوّدت تل أبيب طهران بذخائر وقطع غيار أمريكية الصنع، بل أنشأت شبكات تهريب معقّدة أوصلت الأسلحة إلى إيران عبر وسطاء عالميين. حينها، اعتبرت إيران إسرائيل حليفًا تكتيكيًا يوازن نفوذ العراق، خصمها الأكبر.
العداء المصطنع: قناع لمسرح المصالح
يرى بارسي أن العداء بين إيران وإسرائيل ليس صراعًا وجوديًا عقائديًا، بل قناعٌ يخدم أهدافًا تفاوضية واستراتيجية. تُستخدم التصريحات النارية والخطابات الطائفية والدينية كأدوات تعبئة داخلية و”رافعة سياسية”، بينما تُدار العلاقات الحقيقية وفق موازين القوة والمصلحة.
حتى الهجمات الإيرانية على إسرائيل، غالبًا ما تُفهم داخل دوائر صنع القرار الغربي على أنها “رسائل تفاوض” لا إعلان حرب شاملة. ويظهر ذلك في سلوك “حزب الله” اللبناني، الذراع الإيرانية، الذي يلتزم عادة بسقوف صدامية محدودة لا تنزلق إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل.
زواج متعة جيوسياسي
يوصف هذا التحالف المعقّد أحيانًا بـ”زواج متعة ثلاثي”، حيث يرى كل طرف في الآخر شريكًا مؤقتًا يخدم مصالحه. فطهران تتجنّب التصعيد العسكري الذي قد يُهدد فعليًا أمن إسرائيل أو الولايات المتحدة، وتكتفي بإطلاق تصريحات تصعيدية تُوظف في سياقات دبلوماسية أو تفاوضية. كما سعت إيران خلف الكواليس إلى علاقات تكتيكية مع خصومها، كما حصل في صفقة العراق عام 2003.
معادلة واشنطن: احتواء لا إسقاط
الولايات المتحدة، من جهتها، تدير خيوط هذه المعادلة بحذر. فعلى الرغم من دعوات إسرائيل المتكرّرة لتقويض النظام الإيراني، إلا أن صانعي القرار في واشنطن يدركون أن انهيار النظام الإيراني قد يفتح الباب أمام فوضى لا يمكن احتواؤها. فالنظام الحالي، مهما كان مزعجًا، يبقى في نظرهم أفضل من سيناريوهات الغموض والتطرف التي قد ترافق سقوطه.
حتى بعض المسؤولين الإسرائيليين حذّروا من أن وجود “تهديد إيراني محسوب” يخدم إسرائيل أكثر من غيابه، إذ يُبرّر سياساتها الدفاعية ويُعزز علاقاتها الإقليمية والدولية.
الخلاصة
تستند الاستراتيجية الأمريكية حيال إيران إلى مبدأ واضح: الإبقاء على النظام الحالي مقيّدًا ومُراقَبًا أفضل من انهياره المفاجئ. تفضّل واشنطن نهج الاحتواء والتفاوض، مع التلويح الدائم بالخيار العسكري دون استخدامه فعليًا. وتحظى هذه المقاربة بدعم واسع داخل الأوساط السياسية والأكاديمية الأمريكية، التي ترى أن تغيير النظام بالقوة ليس ضمانة لتحقيق المصالح الأمريكية، بل تهديد لمصالحها الحيوية في المنطقة.