اخبار العالم

شقوق في جوهر النظام؟ مغزى الاغتيالات في إيران

مع تدهور الوضع الاقتصادي والإقليمي والداخلي لإيران، سيبدأ المسؤولون، سواء من الصف الأول أو الأدنى، في إدراك أن النظام لم يعد قادرًا على ضمان سلامتهم.

في 18 يناير 2025، قام موظف في السلك القضائي الإيراني باغتيال قاضيي المحكمة العليا علي رازيني ومحمد مقیسه. قد تكون وفاتهما مجرد قمة جبل الجليد في ديناميكية أوسع تهدد استقرار الجمهورية الإسلامية.

وفقًا للرواية الرسمية، كان الجاني عامل نظافة في الثلاثينيات من عمره، وهو ابن “شهيد” قُتل خلال الحرب العراقية-الإيرانية. قتل المهاجم القاضيين وأصاب أحد حراس الأمن قبل أن تتمكن القوات الأمنية من محاصرته، ليُقال بعد ذلك إنه انتحر قبل أن يتمكن من قتل قضاة آخرين.

لكن هناك أمورًا لا تتناسب مع الرواية الرسمية. فدقة المهاجم في استخدام السلاح تشير إلى أنه ربما كان حارس أمن أو عنصرًا مدربًا، وليس مجرد عامل نظافة. كما أن دافع الانتقام قد يكون لعب دورًا في الحادثة، إذ إن كلاً من رازيني ومقیسه كانا معروفين بكونهما “قاضيي الإعدامات”، خاصة بحق المعارضين.

في السنوات الأخيرة، شهدت إيران عمليات اغتيال استهدفت عدة مسؤولين في النظام. ففي عام 2023، قُتل آية الله عباس علي سليماني، وهو عضو في مجلس خبراء القيادة، على يد أحد حراس الأمن في محافظة مازندران المطلة على بحر قزوين. يُذكر أن هذا المجلس هو الجهة التي تختار المرشد الأعلى الجديد.

وفي العام التالي، أطلق أحد قدامى المحاربين في الحرب العراقية-الإيرانية النار على إمام صلاة الجمعة في مدينة كازرون قبل أن ينتحر. كما شهد شهر يناير 2025 حادثة أخرى، حيث قام مواطن غاضب بإضرام النار في رئيس بلدية كرجان، وهي بلدة تقع في محافظة هرمزغان الجنوبية.

مثل هذا العنف الذي يستهدف المسؤولين يشير إلى أن النظام يفقد دعم شرائح من المجتمع التي كان يعتمد عليها تقليديًا. إذ بات بعض الأفراد في مواقع إدارية وعسكرية وأمنية حساسة ينقلبون على حكامهم.

يمكن أن يتجلى هذا السخط المتزايد بثلاث طرق:

أن يتحول الساخطون إلى ذئاب منفردة تنفذ عمليات بمفردها.

أن ينضموا إلى القوى المعارضة داخل البلاد أو خارجها.

أن يتعاونوا مع أجهزة استخبارات أجنبية عبر تسريب المعلومات.

وقد ساهمت عمليات تسريب المعلومات في الماضي في عمليات اغتيال مستهدفة، مثل قتل العالم النووي محسن فخري زاده، واغتيال إسماعيل هنية أحد قادة حماس، بالإضافة إلى تصفية قادة كبار في الحرس الثوري الإيراني.

هناك أسباب عديدة وراء هذا الاستياء المتزايد، منها:

تدهور مستويات المعيشة بعد عقود من التضخم المزدوج الرقم، مما دفع الكثيرين إلى ما دون خط الفقر.

انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد مقارنة بما كان عليه قبل الثورة الإسلامية عام 1979.

اندلاع ثلاث موجات احتجاجية كبرى في الأعوام 2017، 2019، و2022، انتشرت في أكثر من 150 مدينة وبلدة داخل إيران.

في كل مرة، اعتمد النظام على القمع العنيف للبقاء، ما أدى إلى إصابة وقتل واعتقال عشرات الآلاف. كما أن العنف الجنسي الذي مارسته قوات الأمن ضد المعتقلات أدى إلى نفور حتى أولئك الذين كانوا على الحياد.

في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، تنتشر مثل هذه القصص بسرعة. على سبيل المثال، أدت انتهاكات النظام في 2019 إلى انشقاق مهدي نصيري، وهو شخصية مؤثرة في الجناح المتشدد داخل النظام، كان المرشد الأعلى علي خامنئي قد عينه سابقًا في مناصب عليا، لكنه انضم لاحقًا إلى المعارضة.

وفي حالة أخرى، قام الصحفي حسين قدیاني، الذي كان له نفوذ بين المجموعات المتشددة الموالية لحزب الله، بنشر تسجيلات صوتية يشتم فيها خامنئي بسبب العنف الذي يستخدمه النظام لفرض الحجاب على النساء.

يُضاف إلى هذا السخط الداخلي تراجع النظام على المستوى الإقليمي. فقد أدت هشاشة استراتيجية النظام الخارجية إلى تفاقم الاستياء الداخلي، خاصة مع انهيار الميليشيات التابعة له مثل حزب الله في لبنان ونظام بشار الأسد في سوريا، بالإضافة إلى العمليات الجريئة التي تنفذها إسرائيل داخل إيران. كل ذلك جعل حتى أشد المؤيدين للنظام يشككون في استراتيجيته.

هناك أيضًا اعتقاد متزايد بين المجموعات الدينية التقليدية بأن سوء إدارة الجمهورية الإسلامية وفسادها قد أساء إلى سمعة الإسلام ومصداقيته. شخصيات مثل فاطمة سپهري، وهي معارضة مسجونة ترتدي الحجاب وزوجة شهيد قُتل في الحرب العراقية-الإيرانية، سلطت الضوء على هذه القضايا، معتبرةً أن إيران يجب أن تعود إلى النظام الملكي الدستوري.

بالطبع، قد تكون الاغتيالات الأخيرة مجرد حوادث معزولة وليست مؤشرًا على ثورة وشيكة، لكن هذا لا يعني أن النظام لا يجب أن يقلق. فتصاعد السخط بين الموالين للنظام، الذين لديهم وصول إلى الأسلحة والمسؤولين، يشكل مادة قابلة للانفجار. يمكن أن يندلع هذا الاستياء في أي وقت وبأي مستوى داخل أي مؤسسة.

ونتيجة لذلك، قد يصبح المسؤولون غير قادرين على الثقة بمن حولهم، مما يخلق حالة رعب داخلي تضغط على النظام، وتسرّع من الانشقاقات، وتدفعه نحو الانهيار.

ومع تدهور الوضع الاقتصادي والإقليمي والداخلي، سيبدأ المسؤولون، سواء من الصف الأول أو الأدنى، في إدراك أن النظام لم يعد قادرًا على ضمان سلامتهم. قد يدفعهم هذا الإدراك إلى الانضمام إلى المعارضة أو اتخاذ موقف محايد هربًا من مأزق لا يمكن الاستمرار فيه.

تجد الجمهورية الإسلامية نفسها في مرحلة حرجة. فالضغوط المتزايدة ستؤدي إلى اتساع الشقوق التي بدأت تظهر بالفعل داخل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية. الأساس الذي يقوم عليه النظام يتصدع، وربما يكون ذلك بشكل يتعذر إصلاحه.

بالنسبة للولايات المتحدة، هذا هو الوقت المناسب لتكثيف الضغط، وليس لتهدئة الأوضاع.

الكاتب: د. سعيد قاسمي نجاد هو كبير المستشارين لشؤون إيران والاقتصاد المالي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، ومتخصص في اقتصاد إيران والأسواق المالية والعقوبات والتمويل غير المشروع.

المصدر: The National Interest

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى