لبنان

نواف سلام.. حكومة بتأليف يساري ونهج استسلامي

بقلم تادي عواد –

تشكيل الحكومات في لبنان ليس مجرد عملية سياسية، بل هو انعكاس مباشر لموازين القوى الداخلية والخارجية. وعندما كُلّف تمام سلام بتأليف الحكومة، برزت منذ البداية ملامح نهجه، الذي حمل بصمة فكرية يسارية واضحة، متأثرًا بالتقاليد السياسية الفرنسية والنهج العام لليسار العالمي في التعاطي مع التوازنات الداخلية والخارجية.

الرضوخ الكامل للثنائي الشيعي

منذ بداية مشاوراته، اتضح أن سلام لم يكن في وارد المواجهة مع الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)، بل اعتمد قاعدة التسليم المسبق بحقهم في تسمية الوزراء الشيعة الخمسة، دون أي نقاش جدي أو محاولة لفرض أسماء متوازنة. وهذا النهج ليس جديدًا على اليسار العالمي، الذي غالبًا ما يعتمد مقاربة استرضائية تجاه القوى الأكثر صلابة وتماسكًا، متجنبًا أي صدام مباشر قد يعكر صفو “الاستقرار السياسي” الظرفي، دون البحث عن حلول طويلة الأمد.

تعويم الحلفاء المسيحيين للممانعة

لم يقتصر تنازل سلام على الثنائي الشيعي، بل ذهب أبعد من ذلك عبر تعزيز حلفائهم المسيحيين، لا سيما تيار المردة والتيار الوطني الحر، اللذين استفادا من توزيع الحصص بشكل غير متكافئ. وفي المقابل، جرى تقليص تمثيل القوى المسيحية اليمينية التقليدية، مثل القوات اللبنانية، وحزب الكتائب، وحزب الوطنيين الأحرار. ونتيجة لذلك، حصل التياران المواليان للممانعة على جرعة دعم إضافية، ما عزز موقعهما السياسي وأخلّ بالتوازن الطائفي داخل الحكومة.

قضم الحصة السنية وتشتيتها

الضربة القاضية جاءت للحصة السنية، التي خرجت من هذه العملية مشرذمة بالكامل. فبدلاً من أن يكون التمثيل السني متماسكًا ومنسجمًا مع موقع رئاسة الحكومة، جرى توزيع الحصة السنية بطريقة أضعفت التأثير السياسي للرئيس المكلّف نفسه. وهذا يعكس منهجية يسارية مألوفة، حيث يتم تفتيت قوى الوسط واليمين لصالح تحالفات متعددة الأقطاب، ما يؤدي إلى غياب جهة سنية قادرة على لعب دور محوري في الحكومة.

تماهي نهج سلام مع التقليد اليساري العالمي

من خلال طريقة تأليف حكومته، بدا واضحًا أن تمام سلام لم يكن مجرد وسيط تسوية، بل كان ينفذ سياسة تتطابق مع ما يفعله اليسار السياسي العالمي: الرضوخ تحت شعار “الواقعية السياسية”، وتقديم تنازلات جوهرية بحجة الحفاظ على السلم الأهلي. وتجسد السياسة الفرنسية هذا النموذج، إذ لطالما قدّمت باريس التنازلات أمام القوى المتشددة بحجة تحقيق التوازن، دون الأخذ في الاعتبار المخاطر بعيدة المدى لهذه المقاربة.

التداعيات الخطيرة لهذا النهج

أدى اعتماد هذه المنهجية في تشكيل الحكومة إلى تكريس نهج الاستسلام أمام الثنائي الشيعي وحلفائه، مع إضعاف القوى المعارضة لهم، سواء كانت يمينية أو سنية أو حتى مستقلة. ونتيجة لذلك، لم تكن هذه الحكومة حكومة إصلاحية وسيادية فعلية، بل جاءت مفصّلة على مقاس الممانعة، مع توزيع شكلي لبعض المقاعد على الخصوم التقليديين، دون منحهم قدرة فعلية على التأثير.

حكومة ولدت ميتة

لم يكن النهج الذي اتبعه تمام سلام في التأليف مجرد خطأ تكتيكي، بل كان انعكاسًا لخلفيته الفكرية وميله إلى مدرسة سياسية تؤمن بأن الاستقرار أهم من المواجهة، حتى لو كان الثمن تقديم التنازلات للجبهة الأكثر صلابة. لكن في لبنان، هذا النوع من التسويات لا يؤدي إلى الاستقرار، بل إلى مزيد من الضعف والانقسام، ما يجعل أي حكومة تُشكَّل بهذا الشكل مولودة ميتة، وعاجزة عن تحقيق الحد الأدنى من التوازن المطلوب لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى