رفض العروض الدولية لبناء معامل الكهرباء في لبنان: بين الفساد والمصالح الضيقة
بقلم تادي عواد –
على مدى سنوات، عُرضت على لبنان مشاريع دولية عديدة لحل أزمة الكهرباء المزمنة، إلا أن هذه المشاريع اصطدمت برفض الحكومات اللبنانية، مما أثار شكوكاً حول الدوافع الحقيقية وراء هذا التعطيل المتكرر.
العروض الدولية المرفوضة
في عام 2012، قدم الصندوق الكويتي للتنمية عرضاً لتمويل بناء محطات توليد كهرباء بقيمة 1.5 مليار دولار بشروط مغرية، تضمنت فوائد منخفضة وفترات سداد طويلة. إلا أن المفاوضات تعثرت نتيجة شروط وضعتها وزارة الطاقة اللبنانية بقيادة الوزير جبران باسيل، ما أدى إلى رفض العرض.
وفي عام 2018، خلال زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى لبنان، قدمت شركة “سيمنس” عرضاً لإنشاء معامل كهرباء بطاقة إنتاجية تصل إلى 3000 ميغاواط خلال 16 شهراً فقط، بتكلفة زهيدة تصل إلى 8 سنتات لكل كيلوواط/ساعة. ورغم أن العرض كان حلاً مثالياً لتأمين الكهرباء على مدار الساعة، تجاهلت الحكومة اللبنانية المشروع وسط اتهامات بأن معايير الشفافية التي تلتزم بها “سيمنس” تعيق الاستفادة من الفساد والسمسرات.
في عام 2020، جددت “سيمنس” اهتمامها بلبنان وقدمت عرضاً آخر إلى وزير الطاقة والمياه آنذاك ريمون غجر لبناء معامل كهرباء بشكل سريع وبتمويل كامل من الشركة، إلا أن الحكومة لجأت إلى المماطلة مجدداً.
وفي عام 2024، عرضت قطر بناء ثلاثة معامل كهرباء دون أي تكلفة على الدولة، مقابل توفير أراضٍ صغيرة لإنشائها. ومع ذلك، قوبل العرض بعدم اهتمام من المسؤولين اللبنانيين.
الفساد كعائق رئيسي
يرى خبراء أن رفض هذه العروض يعود إلى ارتباط قطاع الكهرباء بمصالح نافذين في وزارة الطاقة اللبنانية. الشفافية والرقابة التي تفرضها الشركات الدولية تحد من قدرة هؤلاء على تحقيق مكاسب شخصية من الفساد.
خطة باسيل: الفشل المتكرر
في عام 2010، أطلق الوزير جبران باسيل خطة لمعالجة أزمة الكهرباء تحت مسمى “ورقة سياسة قطاع الكهرباء”. لكنها لم تحقق هدفها برفع التغذية إلى 24 ساعة يومياً. وفي عام 2017، أعقب الوزير سيزار أبي خليل الورقة بخطة “إنقاذية”، لكنها لم تمنع استمرار تدهور القطاع.
الورقة والخطة كانتا جزءاً من مشروع أوسع للاستفادة من القطاع، بما في ذلك خصخصته مستقبلاً. واعتمد المشروع بشكل كبير على شركات مقدمي الخدمات وبواخر الطاقة. في حين أن القوى السياسية الأخرى، رغم اعتراضها العلني، لم تعرقل تنفيذ هذه الخطط.
شهادة دولية بالفشل
شهادات المؤسسات الدولية أكدت فشل القطاع تحت إدارة الوزارة. أعلن البنك الدولي أن أزمة الكهرباء وصلت إلى مرحلة تستوجب إصلاحات جذرية. كذلك، مؤتمر “سيدر” الدولي شدد على ضرورة وقف الدعم عن القطاع بسبب الفشل المستمر في تحسينه.
الخلاصة
أزمة الكهرباء في لبنان ليست أزمة تقنية فقط، بل هي أزمة سياسية واقتصادية متجذرة في الفساد والمحاصصة. الحلول الدولية متاحة، لكن غياب الإرادة السياسية والتمسك بالمصالح الفئوية يحول دون إنهاء معاناة اللبنانيين.