تحت المجهر

الإصلاح المتهم بـ’الصهيوني’ في مواجهة الفساد الموصوف بـ’الوطني’: مشهد من عبث السياسة اللبنانية في أبهى تجلياته

بقلم تادي عواد –

في مسرح السياسة اللبنانية، يبدو أن كل شيء قابل للاتهام، وحتى الأبطال يُتهمون بالخيانة، بينما يرتدي الخونة عباءة “الوطني الغيور”. هكذا تبدأ فصول القصة العبثية، حين يتهم محور الممانعة، الذي يصدح بشعارات “التحرير والمقاومة”، المعارضة اللبنانية بالعمالة لإسرائيل، رغم أن أحد أبرز وجوه هذه المعارضة اليوم هو القاضي نواف سلام، الرجل الذي صفع إسرائيل في المحافل الدولية وأحرجها بقرارات قانونية تتعلق بعدوانها على غزة.

لنعد قليلاً إلى الوراء، عندما أصدرت المحكمة الدولية برئاسة نواف سلام حكماً ضد إسرائيل، مطالِبةً بوقف العدوان على مدينة رفح وفتح معبرها لإدخال المساعدات الإنسانية. كان ذلك الحكم بمثابة طعنة قانونية في خاصرة الاحتلال الإسرائيلي، إذ كشف الوجه الحقيقي للعدوانية الإسرائيلية أمام العالم. لكن، وفي مشهد عبثي لا يليق إلا بالسياسة اللبنانية، ها هو القاضي نفسه اليوم مستهدف من محور “المقاومة” بحجج واهية لا تنطلي إلا على من فقدوا حس المنطق.

كيف لنا أن نفهم هذه المفارقة؟ سمير جعجع وأحزاب المعارضة، الذين تتهمهم السلطة الموالية لحزب الله بالعمالة لإسرائيل، يخوضون اليوم معركة لدعم رجل حاكم إسرائيل دولياً، ويريدون تكليفه بتشكيل الحكومة. في المقابل، يقف حزب الله وحركة أمل بكل ثقلهما في وجه هذا القاضي. هل أصبح نواف سلام “صهيونياً” بين ليلة وضحاها؟ أم أن الصهيونية باتت تُقاس وفق معايير جديدة لا نفهمها نحن البسطاء؟

عندما تصبح العمالة وجهة نظر!

المفارقة هنا ليست فقط في تبدل الأدوار، بل في مدى عبثية الخطاب السياسي. فبينما يتغنى محور الممانعة بالوطنية ويروج لشعارات “المقاومة حتى تحرير القدس”، نجد أن من يحاول فعلياً انتزاع مكاسب قانونية من إسرائيل يُتهم بالعمالة، ومن يسعى لتشكيل حكومة قادرة على انتشال البلد من أزمته يُوصف بالخائن.

ربما أصبح تعريف الصهيونية اليوم مرتبطاً بمن يعرقل مشاريع الفساد، أو من يحاول تحقيق العدالة والمحاسبة. أما من يُغرق البلد بالديون، وينهب الخزينة، ويحكمه بالترهيب والسلاح، فهو الوطني الحقيقي الذي يجب أن نقف خلفه ونهتف باسمه.

من هو الصهيوني؟

إن كان نواف سلام، الذي واجه إسرائيل في المحاكم الدولية، هو الصهيوني، وإن كانت المعارضة التي تريد حكومة إصلاحية عميلة، فربما علينا أن نعيد تعريف الصهيونية والعمالة بما يتناسب مع قاموس السياسة اللبنانية: الصهيوني هو من يريد إنقاذ البلد، والعميل هو من يحاول إيقاف الانهيار، أما الوطني، فهو من يرفع شعارات المقاومة ويغرق شعبه في الظلام.

في النهاية، يبدو أن في لبنان كل شيء قابل للتبدل والتأويل، حتى تعريف الخيانة والوطنية. ومن يدري؟ ربما في الغد يصبح من يزرع شجرة عميل، ومن يقطعها وطني بامتياز!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى