تحت المجهر

النصر بين الواقعية والغيبية: عبثية فكر حزب الله

على مرّ التاريخ، تميّزت بعض الحركات الدينية أو الأيديولوجية بتقديم رؤى مغايرة لمفهوم النصر، حيث لم يعد الانتصار مقتصرًا على تحقيق نتائج ملموسة، بل ارتبط بمفاهيم روحية يغلب عليها الطابع الغيبي. ومن أبرز تلك الحركات، الجماعات التي ترفع شعار الاستشهاد كغاية سامية، معيدة تعريف الهزيمة على أنها جزء من “النصر الإلهي”.
لكن، هل يمكن اعتبار هذا المفهوم للنصر منطقيًا أو واقعيًا؟ وهل يخدم تطلعات المجتمعات نحو التقدم والاستقرار؟

إعادة تعريف مفهوم النصر

النصر في جوهره هو تحقيق أهداف واقعية تلبي احتياجات الأفراد والجماعات، سواء كانت مادية، سياسية، أو اجتماعية. ومع ذلك، يتخذ المقاتلون العقائديون منحًى مختلفًا، حيث يعتبرون:

1. التضحيات البشرية والمادية ثمنًا مقدسًا للنصر الروحي:
يُنظر إلى الدمار، النزوح، والقتل على أنها خطوات ضرورية نحو تحقيق غايات غيبية، مثل ظهور المخلص أو تحقيق العدالة الإلهية.

2. الاستشهاد كغاية للنصر:
الموت في المعارك يُقدّم على أنه انتصار في حد ذاته، لأن الشهيد يصل إلى مرتبة عليا في الآخرة.

3. الهزيمة المادية ليست خسارة:
أي دمار أو فشل يُعاد تفسيره كجزء من مسار تاريخي يقود إلى تحقيق أهداف إلهية، مما يلغي الحاجة إلى الاعتراف بالأخطاء أو محاسبة الذات.

عبثية هذا التوجه

1. غياب الواقعية وتأثيره السلبي على المجتمع:
تعريف النصر استنادًا إلى غايات غير ملموسة يعطّل التفكير العملي والسعي لتحقيق نتائج حقيقية. المجتمعات التي تعيش تحت هذا النوع من الأيديولوجيا غالبًا ما تعاني من:

فقدان الاستقرار: نتيجة التركيز على المواجهات والصراعات المستمرة دون نهاية واضحة.

تدهور البنية التحتية: لأن الموارد تُستهلك في الحروب بدلًا من التنمية.

تراجع التعليم والاقتصاد: بسبب تغليب الفكر الغيبي على الاستثمارات في المستقبل.

2. تبرير الهزيمة وتعطيل المسؤولية:
هذا الفكر يُبعد الجماعات عن مواجهة نتائج قراراتها. بدلًا من الاعتراف بالأخطاء أو الفشل، تُبرَّر الهزائم على أنها “جزء من خطة إلهية”، مما يؤدي إلى تكرار الأخطاء دون تطوير أو تصحيح.

3. خطر تقديس الموت على حساب الحياة:
تعظيم الاستشهاد يُقلّل من قيمة الحياة الإنسانية. هذا التوجّه يعطّل البحث عن حلول سلمية للنزاعات ويشجع على استمرار دائرة العنف، مما يؤدي إلى معاناة طويلة الأمد.

4. التوظيف السياسي للأيديولوجيا:
الحركات التي تتبنى هذا الفكر غالبًا ما تُستخدم كأدوات لتحقيق أجندات سياسية، حيث يُستغل الإيمان الروحي لتجنيد الأفراد وتوجيههم نحو أهداف قد لا تخدم مصالحهم الحقيقية.

النصر الواقعي: رؤية بديلة

1. النصر هو حماية الإنسان وتحقيق مصالحه:
أي حركة أو جماعة تدّعي السعي لتحقيق النصر يجب أن تضع الإنسان وحقوقه الأساسية في المقدمة:

الحفاظ على الأرواح أهم من تحقيق أهداف غيبية.

بناء مجتمعات مزدهرة ومستقرة هو الانتصار الحقيقي.

2. التنمية بدلاً من التدمير:
النصر يجب أن يرتبط بقدرة المجتمع على تحسين جودة حياة أفراده من خلال:

تعزيز التعليم والوعي.

تطوير البنية التحتية.

تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

3. الاعتراف بالواقع المادي:
الواقعية تتطلب الاعتراف بالهزيمة عندما تحدث، والتعلم منها. النصر ليس مجرد فكرة غيبية، بل هو نتيجة للتخطيط والتنفيذ السليمين.

4. تجاوز الغيبية المفرطة:
الإيمان الروحي يمكن أن يكون حافزًا إيجابيًا، لكنه يجب أن يتوازن مع العمل الواقعي لتحقيق أهداف ملموسة.

الخاتمة: النصر الحقيقي في بناء الحياة لا في تدميرها

النصر الواقعي هو الذي يحقق الخير للإنسان في حياته اليومية، ويحمي الكرامة، ويعزز الاستقرار، ويؤسس لمستقبل أفضل. أما النصر المبني على الغيبية المطلقة والتضحيات غير المنطقية، فهو في حقيقته هزيمة متنكرة.
المجتمعات التي ترغب في تحقيق نصر حقيقي يجب أن تركز على البناء بدلًا من الهدم، وعلى الحياة بدلًا من الموت، وعلى الواقعية بدلًا من الغيبية المطلقة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى