تحت المجهر

لأول مرة في تاريخ الحروب: المقاتلون يختبئون تحت الأرض ويتركون شعبهم يموت

بقلم تادي عواد

ظهر في بعض الصراعات الحديثة نمط جديد، حيث يختبئ المقاتلون تحت الأرض بينما يُترك الشعب وحيدًا في مواجهة أهوال الحرب. هذه الظاهرة تثير تساؤلات عميقة حول طبيعة القيادة والمسؤولية في الأزمات الكبرى.

في حروب لبنان وغزة، برزت تقنية التحصين تحت الأرض كاستراتيجية عسكرية، إذ يختبئ بعض القادة والمقاتلين في أنفاق أو ملاجئ تحت الأرض لحماية أنفسهم من القصف والهجمات الجوية، بينما يُترك المدنيون على السطح ليواجهوا القصف والدمار. كانت هذه الأنفاق تستخدم في الماضي لحماية السكان، لكنها أصبحت الآن تستخدم لحماية القيادات والمقاتلين فقط، مما يترك المدنيين عرضة للأذى.

الإشكالية الأخلاقية للجماعات المسلحة

في هذه الحالات، يظهر افتقار واضح للالتزام الأخلاقي تجاه الشعب. فالهروب إلى الأنفاق وترك المدنيين في العراء يعكس انفصالًا عن مسؤولية حماية المجتمع الذي يُفترض أن تمثله هذه الجماعات. تدعي بعض هذه الجماعات أنها تقاتل من أجل تحرير أو حماية شعبها، لكن تصرفاتها تتناقض مع هذا الادعاء عندما تُترك الشعوب لتواجه القصف والدمار.

استراتيجيات وأخلاقيات حماية المدنيين في الحروب الكبرى

في مراحل مختلفة من التاريخ، ظهرت استراتيجيات وأخلاقيات تهدف إلى تقليل الأضرار على المدنيين. فيما يلي عرض لأهم الوسائل التي اعتمدتها الدول والجيوش لحماية الشعوب خلال الحروب الكبرى:

الملاجئ تحت الأرض:
كانت الدول تبني ملاجئ تحت الأرض لحماية المدنيين من القصف الجوي، مثل الملاجئ التي بُنيت في بريطانيا وألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية.

إجلاء السكان المدنيين:
أثناء الحروب، مثل الحربين العالميتين، لجأت العديد من الدول إلى إجلاء السكان المدنيين من المدن الكبرى إلى الريف أو المناطق الأقل عرضة للخطر. على سبيل المثال:

خلال معركة بريطانيا في الحرب العالمية الثانية، أجلت الحكومة البريطانية ملايين الأطفال والنساء إلى المناطق الريفية.

في الاتحاد السوفيتي، نُقل الملايين من سكان المدن الكبرى مثل لينينغراد إلى مناطق بعيدة عن الجبهة.

إنشاء مناطق محايدة:
أحيانًا تُنشئ الأطراف المتحاربة مناطق محايدة تعرف بـ”المناطق الآمنة” لحماية المدنيين. مثال على ذلك:

في الحرب العالمية الأولى، تم الاتفاق على نقل الجرحى والمدنيين من مناطق الاشتباك إلى مواقع محايدة.

في الحرب العالمية الثانية، استخدمت بعض الدول المستشفيات والسفن كأماكن محمية بموجب القانون الدولي.

قوانين الحرب وحماية المدنيين:
بدأت جهود حماية المدنيين تأخذ طابعًا دوليًا مع اعتماد اتفاقيات جنيف في القرن التاسع عشر وتطويرها لاحقًا. تضمنت هذه الاتفاقيات قواعد تمنع استهداف المدنيين وتفرض حماية خاصة على النساء والأطفال وأسرى الحرب.

القيادات العسكرية والقيم الأخلاقية

في الحروب، كانت القيادات العسكرية تضع حماية المدنيين ضمن أولوياتها. القادة الذين كانوا يهتمون بهذه القضية كانوا يصدرون أوامر صارمة بعدم استهداف المدنيين أو استخدامهم كدروع بشرية.
إن لجوء المقاتلين إلى التحصينات تحت الأرض وترك المدنيين يواجهون المصير المجهول يعكس أزمة أخلاقية عميقة. يتطلب الأمر من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والقادة أنفسهم التدخل لفرض ضوابط تضمن احترام كرامة الإنسان في الحروب. ففي النهاية، الحروب تُخاض لتحقيق السلام، لا لتدمير الإنسان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى