الصراع القادم مع حزب الله – الجزء الرابع والأخير
بقلم سيث جي جونز ودانييل بايمان وألكسندر بالمر ورايلي مكابي
مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية
آذار 2024 – ترجمة صوفي شماس
الخيار الثاني: حرب شاملة
في حال فشل الردع، سواء عن طريق الصدفة أو عن طريق الاختيار، فمن الممكن أن تندلع حرب شاملة. قال رئيس الأركان الإسرائيلي هرتزي هاليفي للجنود الإسرائيليين إن فرص الحرب ضد حزب الله تتزايد. ويتلخص جزء من منطق إسرائيل في أن الحرب مع حزب الله في مرحلة ما أمر لا مفر منه، وأن إسرائيل لا ينبغي لها أن تنتظر هجوماً مفاجئاً، إذ من المرجح أن تركز الحرب على منع تكرار ما حدث في 7 تشرين الأول بشكل أكثر خطورة، وملاحقة قدرات حزب الله الصاروخية والطائرات من دون طيار ومحاولة دفع مقاتلي الحزب بعيداً عن الحدود، ربما إلى الجانب الآخر من نهر الليطاني. ومع ذلك، فحتى الهزيمة الحاسمة لحزب الله لن تؤدي إلى تدمير الحزب نظراً لجذوره العميقة في لبنان والدعم القوي من إيران.
من جهة أخرى، تمتلك إسرائيل قدرة كبيرة على خوض حرب مع حزب الله، رغم أن الحزب سيشكل عدواً لدوداً. وتحاول المخابرات الإسرائيلية مراقبة مواقع صواريخ حزب الله والطائرات من دون طيار بشكل مستمر. وفي الواقع، فإن جزءاً من السبب الذي جعل حماس قادرة على مفاجأة إسرائيل في السابع من تشرين الأول كان على الأرجح لأن الاستخبارات الإسرائيلية كانت أكثر تركيزاً على حزب الله، الذي اعتبرته التهديد الأكبر.
ويتفوق جيش الدفاع الإسرائيلي على حزب الله من حيث القوات والدبابات والمدفعية وغيرها من أشكال القوة العسكرية. كما أن المعدات الإسرائيلية أكثر تطوراً بكثير، كما أن قواتها أفضل تدريباً. ومنذ أدائها الضعيف في حرب العام 2006، استعدت إسرائيل للحرب مع حزب الله، على النقيض من افتقارها إلى الاستعداد لغزو غزة. وقد أعدت إسرائيل مجموعة أهداف يمكنها الاعتماد عليها في أي وقت لشن ضربات.
من المحتمل أن يتضمن الهجوم الإسرائيلي غارات جوية واسعة النطاق تسعى إلى استهداف قادة حزب الله، وتعطيل القيادة والسيطرة (والتي قد تنطوي أيضًا على هجمات إلكترونية)، وضرب مواقع إطلاق الصواريخ التابعة لحزب الله، وخاصة تلك التي تتضمن ترسانة حزب الله من الذخائر الدقيقة. وعلى الرغم من أن إسرائيل ستستهدف قيادة حزب الله ومواقعه العسكرية في بيروت وفي وادي البقاع، فمن المرجح أن تركز معظم جهودها على وجود حزب الله بالقرب من الحدود. وباستخدام الدروس المستفادة في غزة، من المرجح أن تحاول إسرائيل أيضًا تدمير شبكة أنفاق حزب الله، إذ كان العثور على أنفاق حزب الله واستهدافها أولوية عسكرية واستخباراتية إسرائيلية لسنوات.
وأشار بعض القادة الإسرائيليين في شباط 2024 إلى أن إسرائيل يمكن أن تضرب الجيش اللبناني كجزء من حرب أوسع. وقال غانتس: “من المهم أن نكون واضحين – المسؤول عن إطلاق النار من لبنان ليس فقط حزب الله أو العناصر الإرهابية التي تنفذه، بل أيضا الحكومة اللبنانية والدولة اللبنانية التي تسمح بإطلاق النار من أراضيها. لا يوجد هدف أو بنية تحتية عسكرية في منطقة الشمال ولبنان ليست في مرمى بصرنا.”
وقد تقوم إسرائيل بعد ذلك بغزو لبنان بعدة فرق (استخدمت أربع فرق في غزة، حيث تتطلب التضاريس الحضرية الكثيفة قوة بشرية كبيرة)، سعياً إلى كشف وتدمير الأنفاق المخفية وإجبار مقاتلي حزب الله على التوجه إلى الجانب الآخر من نهر الليطاني. ورغم أن جنوب لبنان ليس مكتظا بالسكان مثل غزة، إلا أن بعض القتال قد يشمل حرب مدن. وإن نجحت إسرائيل في إزالة قوات حزب الله، فستقوم بعد ذلك بمراقبة المنطقة بعناية وتنفيذ ضربات مكثفة إن لزم الأمر لمنع أي عودة. وقد تضغط إسرائيل من أجل تشكيل قوة أقوى من قوات اليونيفيل لمراقبة المنطقة أو تسعى إلى إنشاء منطقة عازلة، والعمل مع وكلاء لبنانيين، كما فعلت قبل العام 2000، على الرغم من أن كلا النهجين أثبتا عدم كفايتهما في الماضي.
وسيرد حزب الله بعدة طرق. ستقوم قوات حزب الله بشن هجمات حرب العصابات، على الأرجح باستخدام شبكة أنفاق واسعة النطاق ومواقع دفاعية جيدة الإعداد بالقرب من الحدود الإسرائيلية، مستفيدة من التضاريس الوعرة هناك. وسيحاول حزب الله أيضًا شن هجمات عبر الحدود، وكذلك ربما التسلل البحري من أجل ضرب إسرائيل مباشرة. إضافة إلى ذلك، سيستخدم حزب الله ترسانته الصاروخية الضخمة لمهاجمة إسرائيل، مما يؤدي إلى إرباك الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية وضرب أهداف في جميع أنحاء البلاد: في العام 2006، استطاع حزب الله شنّ هجمات صاروخية طوال 34 يوماً من الحرب، و ترسانته اليوم أكبر بكثير. وأخيراً، قد يقوم حزب الله بشن هجمات إرهابية دولية على أهداف إسرائيلية في جميع أنحاء العالم، والعمل على نطاق واسع مع إيران للقيام بذلك. كما سيستخدم حزب الله نفوذه على الحكومة اللبنانية لضمان أن يكون أي وقف لإطلاق النار وفق شروطه الخاصة.
الخيار الثالث: حرب محدودة
هناك توجه آخر يتلخص في مواصلة المستوى الحالي من الصراع، حيث لا تقع حرب شاملة، ولكن العشرات من مقاتلي حزب الله يُقتلون كل شهر، فضلاً عن عدد صغير من الإسرائيليين. وسوف يموت المدنيون على الجانبين، ولكن إن استمرت الأنماط الحالية، فإن عدد اللبنانيين الذين سيُقتلون سيكون أكبر بكثير من عدد الإسرائيليين. ستشمل الحرب المحدودة غارات جوية إسرائيلية منتظمة على قوات حزب الله بالقرب من الحدود، في حين يطلق حزب الله صواريخ مضادة للدبابات على البنية التحتية العسكرية والمدنية عبر الحدود، مما يسمح للجماعات الفلسطينية المتمركزة في لبنان بمحاولة عبور الحدود من حين إلى آخر، وإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون على المواقع الإسرائيلية.
ستخدم الحرب المحدودة عدة أغراض لكل من إسرائيل وحزب الله. فبالنسبة إلى إسرائيل، فإن مثل هذه الضربات تؤدي إلى اختلال توازن حزب الله، مما يجبر قادته على الاختباء أو المخاطرة بالقتل، ويعرّض مخابئ أسلحته للخطر. إضافة إلى ذلك، تُظهر الغارات للشعب الإسرائيلي أن الحكومة تحاول بنشاط الدفاع عنهم وتجعل من الصعب على حزب الله حشد القوات التي قد تشن هجومًا مفاجئًا عبر الحدود. أما بالنسبة إلى حزب الله، فإن الحرب المحدودة تسمح له بإظهار التضامن مع حماس والتأكيد على أجندة “المقاومة” الإيرانية. وعلى الرغم من أن حزب الله فقد أكثر من 100 مقاتل منذ 7 تشرين الأول، إلا أن هذا المستوى من الخسائر يمكن التحكم فيه بالنسبة إلى منظمة كبيرة تضم العديد من الأفراد المهرة. بالنسبة إلى كل من حزب الله وإسرائيل، فإن حدود الصراع تساعد في تجنّب تكاليف حرب شاملة.
وفي الوقت نفسه، تطرح الحرب المحدودة مشاكل لكلا الطرفين، إضافة إلى الخسائر البشرية المنتظمة. المشكلة الأكبر هي التأثير على المدنيين على طول الحدود، إذ يؤدي الصراع إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار المستمرة في لبنان والمشاكل الاقتصادية المتصاعدة، ويخاطر حزب الله بتحمّل اللوم. ويرجح أن يكون قد فرّ حوالي 75 ألف لبناني من جنوب لبنان، دون احتمال فوري للعودة: وهي مشكلة سياسية مماثلة بالنسبة إلى حزب الله لتلك التي تواجهها إسرائيل، مع مواطنيها النازحين، الذين من غير المرجّح أن يعودوا إلى ديارهم بشكل جماعي ما دامت الحرب المحدودة مستمرة. وأخيراً، من غير الواضح إن كانت الحرب المحدودة ستظل محدودة بالفعل.
الخيار الرابع: الدبلوماسية القسرية
هناك نهج آخر يتلخص في استخدام الدبلوماسية القسرية لإرغام حزب الله على الالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 1701. ولتحقيق هذه الغاية، تستخدم الولايات المتحدة، التي غالباً ما يمثلها الوسيط آموس هوشستاين، الدبلوماسية للتفاوض مع القادة اللبنانيين، وبالتالي بشكل غير مباشر مع حزب الله، في حين تضع إسرائيل الضغط العسكري على الحزب من خلال مزيج من الضربات على قوات حزب الله وقادته. إن التهديد المتجدّد بحرب شاملة يمنح هذا الضغط قوة إضافية. لكن حزب الله لا يريد أن يُنظر إليه على أنه مستسلم للضغوط الإسرائيلية، وخاصة في وقت تهيمن فيه الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين على عناوين الصحف الرئيسية.
إضافة إلى إنهاء هجمات حزب الله على إسرائيل، فإن هدف إسرائيل هو أن يعيد حزب الله قواته المسلحة إلى نهر الليطاني، كما وعد بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701. ومن الممكن أن تقبل إسرائيل أيضاً بانسحاب أقل شمولاً من شأنه أن يُبعد حزب الله عن الحدود الإسرائيلية اللبنانية، ولكن ليس حتى نهر الليطاني. وقد تحتاج قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان إلى تعزيز كبير وأن تكون أكثر عدوانية في استخدامها للقوة رداً على أي توغل، وهو الأمر الذي سيكون من الصعب تحقيقه.
وسيُطلب من إسرائيل أيضاً تقديم تنازلات وإجراء تغييرات رداً على قرار مجلس الأمن رقم 1701 واسترضاء حزب الله.
تنتهك إسرائيل المجال الجوي اللبناني بانتظام لضرب ومراقبة مواقع حزب الله. ومن المرجح أن يسعى حزب الله أيضاً إلى إخلاء إسرائيلي لمزارع شبعا وقرية الغجر، وربما وضعها تحت قيادة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان حتى يتمكن الحزب من ادعاء انتصار سياسي حتى ولو قدّم تنازلات.
إدارة الأزمة
مع وجود خطر كبير للصراع، تحتاج واشنطن إلى تكثيف الجهود لمنع نشوب حرب شاملة (الخيار الثاني)، والتي سيكون لها آثار كبيرة وسلبية على الولايات المتحدة في الداخل، وفي الشرق الأوسط، وفي جميع أنحاء العالم. إن استعادة الردع (الخيار الأول) والحرب المحدودة (الخيار الثالث)، رغم أنهما أفضل من وجهة نظر الولايات المتحدة، إلا أن لهما حدود. ويبدو الخيار الأول، في أحسن الأحوال، حلاً مؤقتاً يمكن أن ينهار بسهولة، في حين أن الخيار الثالث يمكن أن يتحول إلى حرب شاملة، وحتى في شكل محدود، يمكن أن يكون كارثياً لكل من لبنان وإسرائيل. إن الجيش الأميركي مرهق بالفعل في مواجهة مجموعة من التهديدات، مثل الصين في منطقة المحيط الهادئ الهندية، بما في ذلك حول تايوان وبحر الصين الجنوبي والشرقي؛ وكوريا الشمالية، التي تعمل على تسريع قدراتها التقليدية والنووية وإصدار تهديدات استفزازية بالصراع النووي مع كوريا الجنوبية؛ وروسيا التي تشن حرب استنزاف ضد أوكرانيا وتعمل على تطوير قدرات برية وجوية وبحرية وفضائية وسيبرانية تهدد الولايات المتحدة وحلفائها. كما أن القاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية ممتدة فوق طاقتها. ومن المرجح أن تتطلب الحرب الشاملة بين إسرائيل وحزب الله أصولاً عسكرية أميركية إضافية – مثل مجموعة أو أكثر من مجموعات حاملات الطائرات الهجومية، إضافة إلى الطائرات ذات الأجنحة الثابتة، ومنصات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، والذخائر – التي هناك حاجة إليها في مواقع أخرى.
يمكن أن تؤدي الحرب إلى زيادة التوترات بشكل كبير مع السكان في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه – بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا – وتؤدي إلى زيادة الهجمات التي تشنها الجماعات المدعومة من إيران ضد إسرائيل والولايات المتحدة والأهداف التجارية في المنطقة والمناطق الساحلية. ومن المرجح أن تواجه القوات الأميركية في المنطقة، التي سبق لها أن واجهت هجمات محدودة من الجماعات المدعومة من إيران، ضربات أكثر تواتراً.
على الرغم من أن الآثار الاقتصادية لحرب غزة كانت محدودة، فمن المرجح أن يكون للحرب الشاملة آثار كبيرة على التجارة وسلاسل التوريد وأسعار الطاقة (بما في ذلك النفط والغاز) والاستثمار والسياحة. كما أن الحرب الكبرى ستكون لها تكاليف إنسانية كبيرة. فأنظمة الصواريخ والقذائف التي يمتلكها حزب الله تضع إسرائيل بالكامل تحت التهديد، كما أن قواته البرية أعظم بكثير من قوات حماس. إن الوعد الذي أطلقته إسرائيل بتدمير معاقل حزب الله في لبنان كما فعلت في غزة أمر جدير بالثقة، وقد يموت الآلاف في هذه الهجمات، وقد ينهار الاقتصاد اللبناني بشكل كامل مع نزوح مئات الآلاف من الأشخاص وتدمير البنية التحتية للبلاد.
بالتالي، يجب على الولايات المتحدة أن تركز جهودها على تنفيذ سياسة الدبلوماسية القسرية (الخيار الرابع). وبالفعل، جرت بعض التحركات نحو المفاوضات. على سبيل المثال، بذل المسؤولون الأميركيون، مثل آموس هوشستاين، جهوداً نشطة لاستعادة الاستقرار وناقشوا اقتراحاً يدعو إلى انسحاب الجهات المسلحة غير الحكومية من جنوب لبنان، ونشر القوات المسلحة اللبنانية، وخطة تنمية لجنوب لبنان. إضافة إلى ذلك، قدمت فرنسا اقتراحاً من ثلاث خطوات إلى إسرائيل والحكومة اللبنانية وحزب الله (وأطلعتها على الولايات المتحدة) يحدد الخطوط العريضة لعملية تهدئة مدتها 10 أيام ويدعو حزب الله إلى سحب مقاتليه مسافة 10 كيلومترات من الحدود. إن المفاوضات حاسمة، لكنها لن تكون سهلة. وقد رفض حزب الله رسمياً التفاوض على اقتراح لخفض التصعيد حتى تنتهي الحرب في غزة.
ستكون القيادة الأميركية مهمة. وكما قال هنري كيسنجر: “على المرء أن يتذكر أن كل التقدم الذي تم إحرازه نحو السلام في الشرق الأوسط كان تحت القيادة الأميركية.” ومن المرجح أن يكون الاختبار التالي هو منع نشوب حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله