تنظيرات باسيل لا تقنع البطريرك:برنامج الرئيس أهم من زعامته
في معرض كلامه أثناء عظة الأحد 14 آب الجاري، بدا البطريرك الماروني بشارة الراعي وكأنه يردّ على رئيس التيار العوني جبران باسيل، بعد أقل من 24 ساعة على زيارته الديمان. قال الراعي إن “الشعب يحتاج رئيسًا يسحب لبنان من الصراعات”، مشددًا على أنه “لا يجوز في هذه المرحلة أن نسمع بأسماء مرشحة من هنا وهناك، ولا نرى تصورًا لمرشح”.
وكان باسيل قد قال بوجوب أن يملك الرئيس “تمثيلاً يتجسّد بكتلة نيابية ووزارية تدعمه وتزيد من قوة صلاحياته وموقعه”، معتبرًا “أنّ القرار في هذا الموضوع يجب أن يكون عند الممثلين الفعليين”، مضيفًا أنّ “هذه مناسبة لكي تقوم بكركي بمبادرة في هذا الإطار ونحن نتجاوب معها”.
تجريب المجرّب
يختلف معيارا الرجلين. فالراعي يركّز على البرنامج. وهذا يعني أنه يتحرر من معادلة الرئيس القوي التي فُرضت في الاستحقاق السابق من خلال المرشحين الأربعة. علمًا أن من التقوا البطريرك في الآونة الأخيرة، وراجعوا معه تلك الحقبة، نقلوا عنه قوله إنه لم يكن موافقًا على تلك المعادلة، ولكن الظروف هي التي دعمتها.
في المقابل، لا يزال باسيل لا يصرّ على مبدأ الرئيس التمثيلي، المتمتع بشعبية واسعة. وهو بهذا يريد قطع الطريق على أي مرشح وسطي، وعلى سليمان فرنجية أيضًا. وثمة من يعتبر أن باسيل غير مضطّر للاستسلام حتى الآن، وهو يريد أن يفاوض حتى اللحظة الأخيرة.
البرنامج والحياد
يركز البطريرك في هذا الاستحقاق على البرنامج الذي يفترض بالمرشح الرئاسي أن يعلنه ويلتزم به. هنا ثمة تقاطع في مضمون الخطاب بين موقف الراعي وموقف وليد جنبلاط، الذي رفض الدخول في الأسماء ودعا إلى الإطلاع على البرامج.
والبرنامج الذي يريده الراعي يرتبط بالمشروع الاقتصادي والمالي، إضافة إلى إصلاح علاقات لبنان العربية والدولية. ما يعني أن الرئيس المرتقب يجب ألا يكون محسوبًا على طرف أو محور، في مراجعة واضحة لمسيرة عهد الرئيس ميشال عون. والأهم أيضًا أن الراعي جدد التزامه بالحياد الناشط، لتحييد لبنان عن أزمات المنطقة. وهذا عنوان يحاول فرضه على المرشحين الرئاسيين، بدلًا من انخراطهم في أي تحالفات أو مشاريع إقليمية.
خلل عضوي وأخلاقي
بعد موقف باسيل المعلن في الديمان، أصبحت إصابته سهلة. فهو موقف، مقارنة بالممارسة، مصاب بعطب عضوي وخُلقي. ذلك أنه يطلب من القوى كلها الالتزام بصاحب التمثيل المسيحي الأوسع لانتخابه رئيسًا للجمهورية. علمًا أنه كان قد خرج عن هذا المبدأ في استحقاقين أساسيين بعد الانتخابات النيابية: رفض الموافقة على انتخاب نبيه برّي رئيسًا لمجلس النواب، علمًا أنه المرشح الأقوى في طائفته، وحظي بدعم الطائفة الشيعية كاملًا، إضافة إلى دعم القوى الأخرى له.
ورفض باسيل أيضًا الموافقة على من اختارته الأكثرية السنّية لتكليفه رئاسة الحكومة. فهو لم يسمّ أحدًا، ورفض تسمية نجيب ميقاتي الذي حظي بدعم السنّة والشيعة. وهذا يسري على مسار باسيل قبل الانتخابات النيابية الأخيرة: رفض التصويت لسعد الحريري وتسميته لرئاسة الحكومة، علمًا أنه كان يحظى بكل الدعم السنّي.
هنا يصبح من السهل الردّ على باسيل: أولًا، ما لا يطبقه على نفسه لا يمكن إجبار الآخرين على تطبيقه. ثانيًا، كيف يمكنه أن يطلب من السنة أو الدروز أو الشيعة، أو نصفهم بالحد الأدنى، الموافقة على معاييره في أي استحقاق انتخابي، بينما هو لم يجد أحدًا ليصوت له في رئاسة مجلس النواب أو رئاسة الحكومة؟
تهافت وتناقضات
لن يكون باسيل قادرًا على فرض معادلته على هذه المكونات. وبدا وكأنه ذهب أبعد من ذلك بكثير: إعادة طرحه انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة، في محاكاة للانتخابات الرئاسية في فرنسا.
تصدر نزعة باسيل السياسية هذه عن مبدأ تقسيم المواطنين في لبنان إلى طبقتين: مواطنون فئة أولى، وهم من المسيحيين الذين يتوجب عليهم انتخاب الرئيس في البداية كمرحلة أولى، على أن يتأهل إلى المرحلة الثانية إثنان أو أكثر من الحائزين على العدد الأكبر من الأصوات. بينما ليس في فرنسا من تقسيم عرقي، ولا طبقي، ولا مفاضلة.
يبقى الأهم من ذلك: معادلة باسيل المتناقضة مع مضمون خطابه في وجوب اختيار المسيحيين ممثليهم وموافقة المسلمين على ذلك ومماشاتهم فيه. سيما أن معادلة انتخاب الرئيس من الشعب تعني منح المسلمين القدرة على التأثير بنسبة الثلثين، فيما نسبة تأثير المسيحيين ستكون الثلث فقط.
المصدر: المدن