تفريغ خطوة الحريري من دافعها!!!
كتب جورج العاقوري _ ميديا نيوز فاكتوري
قد يشاطر المرء أو لا يشاطر الرئيس “المُعلِّق عمله السياسي” سعد الحريري قراءتَه للمرحلة التي خاض فيها غمار العمل السياسي وانطلقت منذ العام 2005 على وقع اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري. قد يوافقه أو لا يوافقه اختصاره لمشروع رفيق الحريري بفكرتي منع الحرب الأهلية وتأمين حياة أفضل للّبنانيين وإعلانه نجاحه في الأولى وإخفاقه في الثانية. قد يتفهّم أو لا يتفهّم تبريراته للسّير بالتسويات ولخسارته ثروته الشخصية وبعض صداقاته الخارجية والكثير من تحالفاته الوطنية. قد يقتنع أو لا يقتنع بخطوة تعليق عمله في الحياة السياسية ودعوته “تيّار المستقبل” لعدم خوض الإستحقاق الإنتخابي النيابي.
صحيح أنّ الأطراف اللبنانية اختلفت حول قراءتها لتوقيت هذه الخطوة وبواطنها وتداعياتها الفورية وارتداداتها بعيدة المدى، لكنّ الثابت أنّ هناك إجماعاً على أنّها خطوة مفصلية لا بل تاريخية في المشهد السياسي اللبناني.
سارع الجميع للإعراب عن أسفه أو تضامنه مع الحريري، لكنّ الضنين عليه وعلى عودته و”تيّار المستقبل” لا يكتفي بالتوقف عند النتيجة بل يعمل على تبديد السبب الذي أفضى إلى هذه النتيجة.
إلّا أنّ الوقائع أظهرت أنّ هناك من يتعمّد بتضامنه تفريغ خطوة الحريري من حقيقتها التي أعلنها بشكل واضح في كلمته حين أشار إلى أنّ السبب الجوهري هو اقتناعه بـ”أن لا مجال لأيّ فرصة إيجابية للبنان، في ظلّ النفوذ الإيراني والتخبّط الدولي والإنقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة”.
عمد محور الممانعة إلى طمس السبب الأساسي لخطوة الحريري وهو “النفوذ الإيراني” عبر حرف الأنظار عنه وعن ممارسات هذا المحور الذي انقضّ على كلّ التسويات وربط النزاع الذي أقدم عليه الحريري معه، وتسليط الضوء على خلاف قيادتي “المستقبل” و”القوّات” على الأسلوب والوسائل رغم اتفاقهما على الهدف.
بعيداً عن “فشات الخلق” وبعض المناكفات الكلامية السطحية التي تورّط بها بعض المستقبليين – بعضهم عن حسن نية والبعض الآخر عن سوء نية مستدام لم يخفِه حتى في عزّ التقارب المستقبلي – القوّاتي لغايات شخصية – تبرّع “التيّار الوطني الحرّ” بكلّ وقاحة بصبّ النار على الزيت وبـ “حفر القبور” باحترافيته المعهودة ووصل به الأمر إلى استحضار اغتيال الرئيس رشيد كرامي في زمن الحرب متناسياً تغطيته لقاتل رفيق الحريري وفق قرار المحكمة الدولية في زمن السلم. تيّار الـ One way ticket للرئيس الحريري، وبعدما تباهى مناصروه أنّ خروج الرئيس الحريري من اللعبة السياسية هو “إنجاز جديد للعهد”، سارع إلى لجمهم والعمل على تقزيم استقالة الحريري إلى اشتباك “مستقبلي” – “قوّاتي”!!!
الإشكالية الأساسية تكمن في “النفوذ الإيراني” المتجسّد بـ”حزب الله” وسلاحه وعنجهية فائض القوّة. هذا النفوذ يعزّز الإنقسام الوطني ويسعّر الطائفية ويكرّس اهتراء الدولة، وهذه مجتمعة جوهر الأسباب التي أفضت إلى تعليق الحريري العمل السياسي. “القوّات اللبنانية” حدّدت طبيعة المعركة الإنتخابية بأنّها بوجه هذا النفوذ، ومن هذا المنطلق تفهم تصرّفات محور الممانعة بما فيه التيّار العوني، إذ يهدف إلى:
أ- تكرار مشهد التعاطف الصوري مع الحريري كما خلال حادثة السعودية والذي ما زال العونيّون يمنّنون به حتى الآن، عسى أن ينطلي على البعض من جهة ولكسر أيّ حدّية مع قواعد “المستقبل” عشية الإنتخابات من جهة ثانية.
ب- قطع الطريق على أيّ تعاطف مع البعد السيادي للفريق الذي سيخوض المعركة الإنتخابية ورأس حربته “القوّات” وبالتالي الحدّ من الإندفاعة للتصدّي للنفوذ الإيراني.
ج- تكريس فكرة بقاء القديم على قدمه نيابياً وأنّه حتى لو حصد الفريق السيادي أكثرية فلا جدوى لها ولن تستطيع لجم النفوذ الإيراني.
فحذار تقزيم استقالة الحريري إلى اشتباك “مستقبلي” – “قوّاتي”، وحذار تفريغها من دافعها الأساسي ألا وهو النفوذ الايراني.