يأس دولي من إصلاح لبنان واتجاه نحو مشروع إغاثة فقط
منير الربيع _ المدن
تتعمم وتكتمل حال الضياع والانتظار اللبنانية، ويخفت وهج المبادرات الخارجية تجاه لبنان. فالنظرة الدولية تصف البلد على شاكلة حافلة بلا فرامل، وتعطّل محركها. وعملية إصلاحها صعبة جداً ومتعثرة.
البعض يرى أنه لا بد من تغيير المحرك، ويرى آخرون أنه من الضروري استقدام قطع غيار من الخارج، ولا يمكن إصلاح الحافلة من دون تدخل خارجي. لكن هذا التدخل لم يعد متاحاً ولا مجدياً في هذه المرحلة. أما في حال جرى تشغيل الحافلة من دون إصلاح محركها، فستنحدر أكثر في الهوة.
والمقصود هنا بتشغيلها، هو تشكيل حكومة كيفما اتفق، بشروط وشروط مضادة، ينجم عنها حكومة مماثلة لحكومة حسان دياب، فلا تحظى باعتراف دولي ولا تقدر على استقدام المساعدات.
رهان على الوقت
هنا يحصل التضارب في الرؤى بين الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، ورئيسي الجمهورية ميشال عون، والتيار العوني جبران باسيل. يقول الحريري إنه يريد تشكيل حكومة قادرة على تحصيل المساعدات ووضع برنامج حقيقي وجدي وسريع للإصلاح. لذلك لا يمكنه الاستجابة لرغبات رئيس الجمهورية ومن خلفه صهره باسيل.
في المقابل نظرة عون وباسيل للحكومة نظرة وجودية في هذه اللحظة تحديداً. وهذا ما عبّر عنه باسيل في إطلالته التلفزيونية الأحدية، قائلاً إنها لم تعد حكومة مهمة بل حكومة تتخذ قرارات سياسية أساسية. لذلك يصر عون وباسيل على امتلاك الثلث المعطل، وفرض شروطهما الملائمة.
وتنقل مصادر عن باسيل قوله إنه يراهن على الوقت، حتى يجد الحريري نفسه مضطراً لتقديم التنازلات المطلوبة، ليتمكن من تشكيل حكومته. ورفع باسيل سقف خطابه السياسي ومطالبه إلى أقصى الحدود، ممعناً في مهاجمة الحريري، لاعتقاده أن الرئيس المكلف لا بد أن يقدم التنازلات في النهاية، على غرار تجارب كثيرة حصلت في السابق.
الإصلاح المستحيل
لكن في حال حصل ذلك فلن تتوفر المساعدات. فتشكيل الحكومة بعد وقت طويل، لن يجعلها قادرة على إحداث أي تغيير. بل ستكون حكومة لتقطيع الوقت في انتظار حصول متغيرات كبرى.
ووسط هذا الاستعصاء يبدو واضحاً أن الحماسة الديبلوماسية الدولية والعربية قد خفتت، تجاه لبنان، بل تلاشت. ذلك أن المشكلة بنيوية. ولم يعد حلّها بضخ كميات من الدولارات في الأسواق أو تقديم مساعدات. فحال لبنان اليوم تتطلب الدخول في ورشة جديدة لإصلاح النظام. وهذا مبدأ دعا إليه باسيل بحديثه عن تعديل الدستور، أو عقد مؤتمر حوار وطني شامل وجامع. وهذا يعني أنه عازم على عرقلة تشكيل الحكومة. ومن الآن إلى أن يحين ذلك الموعد، يستمر الترهل والانهيار، وتتغول القوى السياسية أكثر فأكثر.
المايسترو والإغاثة
في المقابل يعمل حزب الله على تعزيز قوته، وترسيخ دوره كمقرر في رسم دوائر سياسية لا يمكن لأحد أن يتخطاها. حتى الحريري لا يخرج عن المسرح الذي بناه الحزب إياه، وجعل نفسه الأقوى بين مجموعة ضعفاء. فهو قادر على التواصل مع الأطراف كلها، ويمنع أي انقسام سياسي يمكن أن يكون طرفاً فيه. وفي موقفه يقيم توازناً بين نبيه بري وميشال عون، وبين الحريري وجبران باسيل، وبين جنبلاط وعون. أما هو فلا يضع نفسه في مواجهة مع أي من الأطراف، بل يظهر كمصلح في ما بينهم، ويدوزن العلاقات وفق ما تقتضيه مصلحته.
هذه الوقائع تقود إلى خلاصة واحدة: لبنان الدولة والمجتمع مهملان على رصيف الانتظار. والشعب اللبناني ينتظر ما يأتيه من مساعدات عينية غذائية وطبية ليس أكثر. وهكذا يغدو المشروع السياسي الخارجي المرسوم للبلد في هذه المرحلة، هو مشروع إغاثي، يتكامل مع حال الإغلاق التام التي يفرضها انتشار وباء كورونا. فيضاف الحصار إلى ما قبله من حصارات سياسية ومالية واقتصادية.